جاسر عبدالعزيز الجاسر
جاسر عبدالعزيز الجاسر
مدير تحرير صحيفة الجزيرة

منظمات حقوق الإنسان تحب العرب

آراء

إما أن هواها عربي أو أنها عوراء، فهي سريعة التفاعل مع كل شأن عربي، ميالة إلى التشكيك في الأحكام القضائية والطعن فيها مهما حرصت البلدان العربية على الاقتراب منها والتوضيح لها.

الدول العربية لا تملك سمعة حسنة في هذا الحقل، فلقد مرت عليها عقود كانت فيها قبلة السهام من جميع الجهات، ربما لأن أكثرها يستهزئ بالديموقراطية ويتلاعب بها ليجعلها معطفاً لديكتاتورية خانقة، إلا أن هذه الجمعيات انتقائية في شكل لافت حتى أنها لا ترى أحياناً الجرائم الكبرى لشدة انشغالها بتفاصيل صغيرة ربما بحكم الإرث والاعتياد لا أكثر.

عربياً تستهدف هذه الجمعيات السعودية ومصر والإمارات والبحرين، وتخصها بتقارير وبيانات كثر كأنها مراكز انتهاك الحقوق على رغم جهودها للارتقاء في هذا المجال ليس من أجل التقارير، لكن حرصاً على مواطنيها وسعياً لبناء مؤسساتها. هذه الجمعيات لم تهتم بما حدث في العراق طوال السنوات الماضية من مذابح بشعة، ولم تضع النظام السوري ضمن نطاق رؤيتها على رغم سجله غير المسبوق في التعذيب، وقتله وتشريده يومياً لآلاف السوريين. لم تنشغل بتايلاند وانقلاباتها العسكرية العنيفة، ولم يستثرها عشرات الآلاف من شباب هونغ كونغ، بل إن عينها العوراء يغشاها الرمد حين تلتفت نحو طهران وما يحدث على أراضيها، ما يجعل السبب الأبرز هو أنها تفتقر إلى الإيرانيين العاملين معها أو أن تعاطفهم يغلب عليهم فلا يرون انحرافاً وخللاً في البلد الأم.

الورطة الكبرى في الولايات المتحدة وأوروبا التي بدأت تنتهج أساليب عنيفة لكتم الحريات، وتتوسع في ذلك بما يفوق الإرث العربي باستثناء سورية والعراق، ولعل لندن هي أكبر المرتدين عن منهجها الحقوقي بعد أن وصلتها النار مهددة بحرائق تنسف كل مفردات تاريخها الحقوقي.

كانت الجمعيات الحقوقية تعيش في نعيم، فهي قسّمت العالم إلى مناطق خضراء وحمراء، وكانت الخضراء هي الأكثر والأقوى، لكنها اليوم لن تجد أرضاً تمتدحها سوى مواطن الشعوب البدائية المنعزلة. لقد نجح الإرهاب الذي تشعب واستطال، ودخل مناطق كانت محمية ومستعصية إلى إيقاظ الشعور الوجودي الأساس الذي يعني أمراً واحداً: البقاء لا يحتمل الرهانات المترفة. أصبح التعبير عن الرأي دعوة للقتل، كل النشاطات غدت مريبة أما الحريات الشخصية فهي تضيق كل يوم لتنبت للجدران آذاناً ترصد كل صوت.

امتياز الجمعيات الحقوقية السابق أن بياناتها كانت مكثفة ومحددة وتجد دعماً عريضاً، لكنها اليوم مضطرة إلى إصدار بيان كل ساعة حتى تلاحق الأحداث المتتابعة، فلا تستطيع لها رصداً، ولم يعد صوتها إلا صراخاً وعويلاً.

لا صوت للجمعيات الحقوقية والسكين تهدد الرقاب، فلعلها تعتزل موقتاً وتراجع آلياتها وتصوراتها لتكون مستعدة للانطلاق مع العالم الجديد الذي يتشكل برؤية لا تتفق مع المقولات التقليدية لهذا النوع من المنظمات والجمعيات، خصوصاً أنه لم يسبق أن راجعت ذاتها وصححت أخطاءها من قبل.

المصدر: الحياة

http://alhayat.com/Opinion/Jasser-AlJasser/6088194