كاتب عمود يومي في صحيفة الوطن السعودية
بيد كسلى، نفضت (منى) عند الرابعة فجرا بطانية ثقيلة على الوقع الأخير للمنبه. يوم جديد من ذات الروتين العبثي إلى تلك الأغوار التهامية السحيقة بمئات الكيلو مترات لمعلمة مبتدئة. ثلاثة أطفال من حولها، على ذات السرير، مثل نبات متسلق إلى شجرة منزوعة. تفتح دولابها وتنظر فيه إلى كل الملابس التي غطت من قبل هذا الجسد الطاهر. ليس في تفاصيل هذا الفجر ما يستحق. تدثرت بالأطرف الجاهز من الدولاب. أكملت وضوء الفجر القادم بعد ساعة من الزمن. وضعت على الوجه بعض المساحيق على (الكمال) الذي لا يستحق الإضافة. نظرت إلى المرآة كي تشاهد وجهها ولكن: للمرة الأخيرة. أيقظت شريك الحياة، كي يأخذها إلى موعد (الباص) على أطراف هذه القرية الجبلية الموحشة. قبلت أطفالها الثلاثة برأس الشفة كي لا تزعج غيبوبتهم في هذا الزمهرير الشتوي القارس. اختصت (سارة) الكبرى بقبلة إضافية ثقيلة ثم وضعت حقيبتها المدرسية (جاهزة) بجوار السرير ليوم جديد من الفصل الابتدائي الأول. على بوابة المنزل، أسدلت حجابها على الوجه التقي النقي الطاهر. كان (علي)، وكالعادة، آخر شهود الوجه الأخير، وكالعادة، كان المرآة على كل تفاصيل الفجر في هذه الرحلة.
(ما رأيك أن نعود) تقولها منى بعد أن تأخر الباص قليلا عن الموعد. تحرك قليلا وفجأة يظهر (الباص) على الطرف الآخر من الشارع. تذهب إليه بخطى نائمة متثاقلة. يطمئن (علي) إلى تحرك (الباص)، وكالعادة، يقرأ رسالة الحب والوداع التي تبعثها إليه كل صباح مع هذه التفاصيل الروتينية. عاد (علي) للقرية وبالكاد يلحق اليوم ركعة الفجر الثانية في المسجد. قليل من الوقت الضائع في الحديث مع الجماعة لا يقطعه إلا صوت الإسعاف والأمن والدفاع المدني على الشارع العام على الضفة الشرقية من القرية. في الطريق للبيت، أكمل (علي) اتصاله الحادي عشر ليطمئن ولكن بلا جواب. هنا بدأت (ثورة الشك): استفاق علي ليجد نفسه بين عشر جثث لذات (الباص) الذي يعرفه منذ ألف فجر. استدل طريقه إلى منى بالعشرة وبالرائحة وبالحب. عرفها بالحجاب، وبالقطعة الطارفة من الدولاب الذي يعرفه. بالجوال الذي يعرفه جيدا على القبضة اليمنى من الكف: كان يرن بكل الصخب وكان (الهاتف) يحمل اسم (روح الحياة): إنها سارة التي اتصلت على جثة هامدة لكي تطمئن. أخذه متماسكا ثم أجاب: نحن عائدون يا سارة (فأمّنا) لن تذهب اليوم للمدرسة. أخذ من تحت البطانية حجاب الوجه والعباءة والحقيبة وحتى الجوال: على باب المنزل وجد (سارة) بلباس السرير في هذا البرد المخيف: أين أمي؟. لقد ذهبت للمدرسة. ولكن: كيف ذهبت يا أبي (للغربة) بلا عباءة وحقيبة؟ لماذا لم تترك معها حتى الجوال؟ لماذا لم ترد على اتصالي وأنا (روح الحياة) وأنا الذي اتصلت بها إحدى عشرة مرة.
المصدر: الوطن أون لاين