هبطت بي طائرة “فلاي دبي” في مطار أبها قبل يومين. ويا لروعة نسيم الجنوب يعانقني وأنا أنزل سلم الطائرة وأشاهد الدهشة على وجوه الواصلين معي. من حرارة شديدة ورطوبة في دبي إلى جو غائم ورشات مطر والفارق بين المناخين رحلة جوية لم تبلغ الساعات الثلاث.
تأخرت قليلاً أمام “كاونتر” الجوازات حتى أنتهي من “سوء الفهم” في “تشابه الأسماء” الذي تستقبلني به مطارات بلادي وتودعني.
حملت حقيبتي نحو صف سيارات الأجرة المنظم خارج المطار وابتسامتي تسبقني: وأخيراً أستطيع أن أستقل سيارة أجرة من دون صراخ ومحاولات اختطاف؟ في مطاراتنا، عشت تجارب مضحكة تصلح أفكاراً لطاش ما طاش -أيام مجده- كقصتي مع سائق يعدك أن تكون “الراكب الوحيد” فتجد نفسك رقم أربعة داخل السيارة الصغيرة.. وحينما تحاول أن تغادر السيارة وتبحث عن بديل تكتشف أن حقيبتك قد أحكم الخناق عليها في “شنطة” سيارة الأجرة ثم يأتيك السائق متوسلاً: تكفى يا وجه الخير.. لا تحسدني!
قلت لسائق الأجرة في مطار أبها: تأخذني الآن إلى مقصدي من دون “لف أو دوران” ومن دون أن تقف في الطريق لراكب ينتظر سيارة أجرة فأنا مستعجل جداً. ضحك معلقاً: اطمئن: تغيرت الأمور. وصدق الرجل. ثم فاجأني في الطريق بوعيه إزاء أحداث العالم العربي وتأخر بعض مشروعات التنمية في منطقته.
سألته عن “نفق الخميس” عسى أن يكون قد اكتمل، فابتسم معلقاً: ولن يكتمل! في ساعات قليلة من وصولي سمعت قصصاً محزنة عن سوء أوضاع المستشفيات العامة والخاصة وعن زحمة الطريق ما بين أبها والخميس وكثرة حوادث السير على طرق الجنوب.
وفي مجلس أبي العامر بقصص الأولين وتجاربهم تنقلت بين قصص الكفاح وقصائد الفخر ومقالب الآباء أيام الشباب. وهي قصص لا أمل سماعها مرة بعد أخرى. لكنني من جديد أنسى أن أسجلها لعلي أدونها -أو بعضها- في قادم الأيام!