من أطلق المارد الداعشي من عقاله؟

آراء

السؤال الحري بنا أن نسأله هو من أطلق هذا المارد الداعشي من عقاله؟ كيف نشأ وتكون؟ أيعقل أن يمتد نفوذ جماعة إرهابية من سوريا إلى العراق في ليلة وضحاها؟ يجب ألا ننجر كعرب ومسلمين وراء ما تبثه وسائل الإعلام الغربية! إنما كان يجب التريث والتقصي عن حقيقة هذه الجماعة.

ما كانت «داعش» لتتوسع وتنمو لولا البيئة الحاضنة للإرهاب التي أوجدها النظام السوري على مرأى ومسمع وصمت العالم الغربي وأميركا والعالم أجمع عن مجازر ارتكبت، وقتل للأطفال والنساء بالغازات السامة التي قتل بها النظام السوري الأبرياء ألا يسمى ذلك إرهابا! ولولا اللعبة الشيطانية التي لعبها النظام السوري بتسهيل دخول الإرهابيين من كل مكان في العالم إلى سوريا، ودخول الجماعات المسلحة من كل صوب وحدب لتتقاتل فيما بينها لغرض في نفس يعقوب، مما أدى إلى ظهور «داعش» وأخواتها في سوريا، ولذا فالنظام السوري هو يتحمل قدرا من المسؤولية في ظهور هذه الجماعات المارقة، إذن ما الجديد في الأمر الذي جعل أميركا والناتو يهرولان لتكوين تحالف دولي لمكافحة «داعش»؟ هل اختزل الإرهاب في «داعش» فقط؟ أم أن الساحة مليئة بالداعشيين المطلوب محاربتهم كـ«حزب الله» وإيران اللذين تدخلا في سوريا وقاما بأعمال الإرهاب في سوريا والعراق واليمن والبحرين، وهذا ما تم تثبيته عند اللجنة الدولية لحقوق الإنسان التي أكدت أن ما يجري في سوريا يرتقي إلى جرائم حرب! لماذا في سوريا لاذوا بالصمت عن جرائم «داعش» للسنين الـ4 الماضية معتبرينها مقاومة مشروعة من أجل الديمقراطية ضد ديكتاتورية الأسد وفي العراق عدوها إرهابا يهدد «العالم»؟

وكذلك ما كان هذا المارد الداعشي ليتمدد في سوريا والعراق لولا تغذيته التي تمت في العراق خاصة وتسهيل وصوله إلى مخازن الأسلحة الأميركية الموجودة بشمال العراق وغربه ونجح في التمدد حتى وصل إلى مشارف أربيل شمال العراق ونجح في التمدد شرق سوريا في ظل غياب الدولة التي لا تمتلك جيشا بعد أن سرحت أميركا الجيش العراقي وجاءت بجيش مهجن هرب من ساحة المعركة في السليمانية في بضع ساعات. تقول هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الأميركية السابقة في كتابها «خيارات صعبة» إن «الإدارة الأميركية هي من أنشأت (داعش) وكانت عازمة على إعلان الدولة الإسلامية يوم 7- 5- 2013»، وتواصل «وفجأة تحطم كل شيء كسر أمام أعيننا دون سابق إنذار، شيء مهول حدث في مصر»!

كل شيء خطط له من قبل أميركا وحلف الناتو وبدورنا بقينا نحن العرب منشغلين بمن زرع «داعش»؟ نسمع ونرى ولكن لا نعرف عن الحقيقة شيئا! خاصة أن «داعش» اعتمدت في عملها على التخفي والانغلاق والغموض، وهذا أحد أهم عوامل تمكنها ومد نفوذها من سوريا إلى العراق.

وما إن انطلق المارد من عقاله حتى قام الرئيس أوباما بقيادة حرب أخرى في منطقتنا تحت مظلة التحالف الدولي بحجة إنقاذ العراق من منظمة إرهابية هم من أسسوها وأمدوها بالمال والرجال وخريطة الطريق «لدولتها الإسلامية». قال الكاتب الأميركي لويس فريدمان في مقال نشر في صحيفة «نيويورك تايمز» إن «تنظيم (داعش) لم ينشأ مصادفة ولم يأت من لا مكان.. إنه ثمرة حربين أهليتين اندحر فيهما مسلمو السنة، إحدى تلك الحربين هي الحلقة المفرغة في سوريا التي قتلت فيها قوات النظام العلوي الشيعي مدعومة من إيران، نحو مائتي ألف شخص كثير منهم من السنة، والأخرى هي الحرب العراقية التي جردت حكومة نوري المالكي المدعومة من إيران من سلطاتهم ومواردهم».

«داعش» حالة اجتماعية وسياسية قد تزول أو تضعف كل هذا ليس مهما، إنما المهم هو ما يسمى بالنظام العالمي الجديد الذي يجب أن يصلح من نفسه فلا تكون مصالح دول أوروبا وأميركا هي محور الارتكاز وجميع دول العالم تدور حول مدارهما تحقق مصالحهما فكما لدول أوروبا وأميركا مصالح أيضا لدول العالم الأخرى مصالح، وذلك لن يتأتى إلا بوجود عالم خالٍ من الصراعات والاستقطابات والمؤامرات الدولية، ونشر قيم العدالة والمساواة في العالم هذا هو بيت القصيد، أما إذا ظل الوضع على ما هو عليه، فلا نتوقع إلا تمددا لظاهرة الإرهاب في العالم.

وحقيقة مهمة لا بد من الإشارة إليها ونحن نختتم الموضوع وهي أن دورة العنف والعنف المضاد ولدت لدينا في عالمنا العربي والإسلامي نتيجة تقاعس الدول الكبرى منذ 4 سنوات عن إيجاد حل لقضية سوريا هذه الشخصية الإرهابية التي تمثلها «داعش» الآن، ماذا تريدون من شباب يشاهدون على شاشات التلفاز ووسائل التواصل عبر الهواتف الذكية وعلى الطبيعة أحيانا مناظر تدمي القلوب؟ غير أن تتكون لديهم شخصية إرهابية ووحشية فثلاثية القسوة والعدوانية وانعدام التعاطف تعد ردود فعل مشتركة من قبل الناس الذين عوملوا بشكل قاس، يمكن مشاهدة هذه الوحشية في وجوه مقاتلي «داعش» الشباب عندما يتسابقون على شاحناتهم، والتلويح بالرايات السوداء، وغيرها من علامات الفرح عندما يقطعون رؤوس الضحايا.. هذه الشخصية الإرهابية غير السوية هي نتاج لتراكم مؤثرات بيئية عاش فيها هؤلاء الشباب منذ الغزو الأميركي للعراق 2003. وما ترتب عليها من أعمال العنف التي قامت بها فرق الموت من الحرس الإيراني، ثم أعقبها في سوريا مثل هذه الأعمال الإرهابية التي ما زلنا نعيشها، فكانت النتيجة هؤلاء الشباب الذين تمردوا على مجتمعاتهم ولذا نعتقد أن الحملة العسكرية الجوية التي تقوم بها قوات التحالف الدولي لن تحل المشكلة وتقضي على الإرهاب، فلا سبيل إلى معالجة الإرهاب إلا الحل السياسي الذي يعطي كل ذي حق حقه حتى يعم السلام العالم.

المصدر: الشرق الأوسط
http://aawsat.com/home/article/196331