كاتب ومستشار قانوني إماراتي
بعد أن خرج الاتحاد السوفييتي من أفغانستان بدأت مرحلة الحرب الأهلية الأفغانية (1992-96)، ونشب خلالها خلاف واقتتال بين فصائل وجماعات مختلفة، واستمر الوضع على ما هو عليه حتى بدأ الغزو الأميركي عام 2001 للقضاء على الإرهاب بعد هجمات 11 سبتمبر.
ولو قارنا هذا المشهد بالقتال القائم في سوريا سنكتشف بأنه متشابه جداً، فالعديد من التنظيمات والجماعات التي كانت تتقاتل في أفغانستان اختارت من سوريا أرضاً لتصفية حساباتها من جدي.
ولكن بمسميات مختلفة، فقد تطور وتحول تنظيم القاعدة إلى داعش وكان تطوره هذه المرة أكثر دموية، وصحيح أن أسماء الجنود والقيادات قد تغيرت إلا أن النهج والفكر هو من انتقل، فالإرهاب والتطرف ليس بتنظيمات مسلحة ولا هو عمليات انتحارية فحسب إنما هو أخطر من ذلك فهو فكر ونهج يتغلغل في العقول ويسكن في الصدور وينتشر كالوباء.
ما يحدث اليوم في سوريا حرب استنزاف طويلة ومكلِفة ثمنها أرواح بريئة وأموال وحضارة عريقة تداس تحت الأقدام، وهنا لا بد أن نسأل أنفسنا كيف ومتى دخلت هذه الجماعات والتنظيمات إلى سوريا، وعلينا أن نعود بتحليلنا للسنوات الست الماضية، فمن خلال ما أسميناه الربيع العربي كان التوقيت لبداية الفوضى مما سهل نزوح المقاتلين من الأقطار الإسلامية إلى سوريا ليعبروا الطريق إلى الجنة حسب اعتقادهم؟!
الجنة التي يتنازع عليها 1000 فصيل مقاتل في سوريا أبرزها جبهة النصرة، الجيش الحر، الجبهة الإسلامية، جيش الإسلام، جيش المجاهدين، وأيضاً قوات النظام، فلم يكفهم النزاع والتنازع على هذه الأرض ومقدراتها، بل راح نزاعهم ليأخذ أبعاداً أخرى، فهم اليوم يتنازعون على الجنة والحور العين.
جميع الفصائل تسمي الموتى من مقاتليها بـ «الشهيد»، وهنا كان لا بد لنا من وقفة لنطرح سؤالاً وتساؤلاً يعن على بال الكثيرين منا إن لم يكن جميع المسلمين يتساءلونه ويطرحونه علناً لاستحيائهم أو لخشية محاسبتهم إلا أنه وارد في خلجات أنفسهم ودغدغات مشاعرهم، سؤال بسيط لكن ستكتشفون من خلاله غباء المشهد في سوريا «من هو الشهيد من بينهم؟!!».
من العراق إلى سوريا توسع نفوذ تنظيم داعش، وعلى الرغم من أن التحالف العالمي يدك معاقل التنظيم إلى أنه لا يمكننا إنكار أنه ما زال مسيطراً على العديد من الأراضي ويفرض قوته رغم الضربات شبه اليومية، وإن كانت مساحاته قد تراجعت، ولذا علينا أن نحلل من أين جاء هذا التنظيم بهذا التكتيك؟!
السيناريو الأمثل لحل هذا اللغز يقول إن سبب اختفاء جيش صدام حسين، سابقاً، تغلغل الخيانات داخله مما دفع الجنود إلى الانخراط مع المجتمع وخلع لباسهم العسكري، وهنا يكمن التساؤل الأهم؛ إن كان أفراد الجيش سينخرطون في المجتمع فعلاً فماذا سيعملون؟ هل سيعملون في التجارة والزراعة؟
وهم لا يملكون من الخبرات إلا الخبرة العسكرية، والذي سيدفع لهم رواتب مجزية سيكونون طوعاً له، وهذا ما استند عليه تنظيم داعش لجلب خبرات وقيادات جيش صدام إلى صفوفهم، وهذا ما أدلى به البروفيسور في معهد لندن للعلوم السياسية والاقتصادية «فواز جرجس».
علينا أن نصرح ونوضح بأن من أكبر الأخطاء التي ارتكبتها الإدارة الأميركية أنها حلت الجيش العراقي، مما تسبب بتحويل خبرات عسكرية إلى عاطلين عن العمل وجاهزة للتجنيد لمن يدفع لها رواتب ويعيد لها هيبتها ومكانتها العسكرية.
ومن العراق وسوريا إلى ليبيا واليمن، يتحدث العالم كله عن «محاربة الإرهاب»، ولكن هذه الحرب ينقصها تحليل منطقي لوقائع المشهد، وذلك لبيان كتّاب السيناريو الذين لديهم مصلحة في جعل بلادنا المسلمة أرضاً لتصفية الحسابات وجرها لحرب طائفية، وعلى رأس المؤلفين لهذا الفيلم السقيم «إيران» فمن خلال القاعدة ثم داعش وحلفائها في سوريا ولبنان واليمن جعلت من الإرهاب آفة تهدد العالم.
ما نقصده في هذا المقال ليس تحليل المشهد فقط إنما معرفة أساسيات اللعبة مع الكبار، فكل فئة سلطوية تحاول مجاراة الأمور لتحويرها لمصلحتها، ولهذا نلاحظ نشاط جماعة الإخوان بنشر الأقاويل والشائعات لزيادة الاحتقان الطائفي للاستفادة الانتهازية من هذه الصورة المشوهة للإسلام لتلميع صورتهم أمام الغرب على أنهم الجماعة المسلمة المعتدلة، وذلك لكي يلجأ إليها الغرب مرة أخرى للخروج من أزمة الإرهاب، ولو رجعنا لأصولية الجماعات الإرهابية سنعلم أن معظمها خرجت من عباءة الإخوان.
كل ما سردناه سابقاً من استنتاجات وتحليلات وبعض الآراء والتي من الممكن أن تكون غريبة على البعض ستأخذنا إلى طريق واحد؛ أن جميع هذه التنظيمات تنادي باسم الدين، واتخذت من الإسلام مسميات صريحة لها، وقسمت الجنة والنار قبل يوم الحساب، بل وورثتها لأجيالها؛ كحافز للحفاظ على الثأر الطائفي بين الطوائف والجماعات المسلمة.
إذا أردنا أن نقضي على الإرهاب علينا أولاً تطهير أراضينا من صكوك الغفران التي تباع من قبل بعض رجال الدين وفتاويهم لجنودهم ومتابعيهم، ثانياً أن نبين لشبابنا أن الحور العين هو من علم الغيب الذي اختلف أهل العلم في تفسيره وتشكيله، وثالثاً أن نُعرِّف من هو الشهيد؟ فليس كل من يُقتل وهو يقاتل شهيد!
المصدر: البيان