خاص لـ هات بوست:
خلقنا الله مختلفين، أمماً متعددة، لسنا على شكل واحد ولا لون واحد ولا عقيدة واحدة، وقال لنا تعارفوا واختلفوا وتدافعوا ثم ستعودون إلي وسأحاسبكم وفق أعمالكم، معيار حسابي هو التقوى، لن أضيع مثقال ذرة من خير أو شر، بل سأضاعف الحسنة وأغفر لكم خطاياكم، وأرحمكم، كل ما عليكم أن تؤمنوا بي وتعملوا صالحاً. فمن تقرب إلي بالصلاة والدعاء سأزيد له من مكافآتي، فتقربوا إلي واذكروني في “صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً”، وهذا كتابه حاضراً بين أيدينا يمكننا التأكد من قوله تعالى بدقة.
لكن بنظرة سريعة إلى تصرفاتنا وردود أفعالنا، نجد أننا كأمة محمد (ص) التي حملت راية “الإسلام”، نأبى قبول الآخر، ونعتبر أننا الوحيدون على حق، وكل ما عدانا على ضلال، ابتداءَ من النقاش حول آراء بسيطة، وصولاً إلى من يستحق الجنة ومن يستحق النار، بعنصرية مخبأة تحت ستار شفاف، لا يلبث أن يزاح عند أول ريح، فتظهر الصورة الصحيحة العدائية تجاه كل ما هو مختلف.
ربما للموضوع حيثيات كثيرة، منها أننا لسنا الوحيدين كذلك، ولم يبادرنا الآخر بالمحبة لنبادله مثلها، ومنها أننا ندور في حلقة مفرغة من التخلف والتقوقع، الأول يولد الثاني وهكذا.
إنما ما يدعو للمعالجة هو صغر الدائرة التي نتقوقع فيها، فنحن جاهزون للهجوم على بعضنا البعض، وما يلبث أن يموت أحدنا حتى نترك الحدث وننبري لإيجاد ثغرة ننفذ منها لننهشه، لا تنقصنا الذرائع، فنستحضر ما نريد من شواهد ومبررات من موروث عامر بكل ما استخدم في تاريخنا لبث الفرقة بين الناس، فيغدو كل منا هو صاحب الفرقة الناجية، والآخر من بين الاثنين والسبعين الأخرى الغارقة في النار، فإذا كان هذا الآخر من خارج “أمتنا” فهو في الأصل خارج التصنيف ولن ينل رحمتنا، مهما كان قريباً عزيزاً، لن ندخله الجنة وسنواجه كل من يتمناها له ليعود عما يدور في ذهنه أو دعائه.
ورغم أن نقاشاتنا لن تضر المعني بالموضوع قيد أنملة، وعدا عن أنها مضيعة للوقت والجهد، إلا أنها بشكل رئيسي تسيء للإسلام، فتنسب إليه كماً هائلاً من الكراهية، وبدل أن نقدم صورة عن هذا الدين العالمي الذي يستوعب كل الناس، وكل من آمن بالله، أينما ذكراسمه، بالصومعة أو بالبيعة أو بالصلوة أو بالمسجد، قوامه الرحمة والمحبة والأخلاق الحسنة، نقدم صورة محملة بالعدائية، يمكن لأي أحد استغلالها والترويج لها ولنا، على أننا أولئك الرعاع الذين سرعان ما ننجر لنسفه القريب قبل البعيد، ندافع عن ترهات، متناسين أحداث أكثر أهمية، ثم نبكي على ضياع حقوقنا.
والأنكى من كل ذلك، أن “المسلم” لا يضيره تقديم تلك الصورة المسيئة للإسلام والمسلمين، ولرسول الله في أحيان كثيرة، مقابل التشبث بما تعلمه من كتب أكل عليها الدهر وشرب، وضعها أناس وفق رؤية عصورهم وظروفها، فيهمه الدفاع عن راوي الحديث مثلاً أكثر من اهتمامه بكون ما جاء في ذاك الحديث لا يمكن أن يقبله العقل والمنطق، أو أنه يناقض ما جاء في التنزيل الحكيم الذي تكفل الله تعالى بحفظه، ولا نملك إلا نسخة واحدة منه، وفي بال هذا المسلم أنه ينتصر لله ورسوله، مع أنه يتقول على الله، وعلى رسوله، ويفعل ما يصب في خانة الإساءة لهذا الدين، وقد ينطبق عليه قوله تعالى {الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً* أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْناً} (الكهف 104-105)، إذ لو أنه تفكر في آيات الله في كتابه أو في خلقه، لعرف عظمته ورحمته، ولعامل عباده بالحسنى فلم يتهم ولم يظن سوءاً ولم ينجر إلى أكل لحم إخوته ميتين.
ما زال بإمكاننا أن نعيد الجمال إلى الصورة، والرحمة إلى القلوب، كل ما علينا هو تدبر كتاب الله، واستقاء ما يجعلنا أكثر إنسانية، فنحن مسؤولون أمام الله عن التشويه الحاصل للإسلام، ومسؤولون أمام أبنائنا والأجيال القادمة عن استمرار الاعتماد على الإرث الخاطىء عوض تقديم قراءة تنتمي لعصرنا، لنصيب حجرين مرة واحدة، فينظروا إلى العالم برحابة أكبر من جهة، ويعلموا أن الإسلام دين عصري منفتح صالح لكل زمان ومكان من جهة أخرى، لعل هذه الوصفة تنجح أكثر مما عهدناه، حيث ما زلنا ندعو على كل من لا يشبهنا ونتمنى له الكوارث.
هل لنا أن نجرب طريقة أخرى ربما نتقدم إلى الأمام؟.