كاتب سعودي مهتم بالشأن السياسي والاجتماعي والوطني
مازال السؤال الكبير يُطرق مسامع المشهد الثقافي العربي منذ عقود وحتى الآن: من المسؤول عن تدهور “منظومة الذائقة العربية”، الثقافية والفكرية والحضارية والفنية والاجتماعية؟ والإجابة عن هذا السؤال الملتبس، تحمل الكثير من الهموم والشجون والتعقيدات، فضلاً عن الإجابات المعروفة والمباشرة والجاهزة.
في مساحة محدودة كهذا المقال، أجدني مضطراً لممارسة الاختزال والاختصار والتركيز، لذا سأكتب عن صورتين ذهنيتين/ نمطيتين تم تكريسهما وتقديمهما كإجابة لذلك السؤال، بل وعلى الكثير من الأسئلة المعقّدة الأخرى التي تحتاج لدراسات متخصصة وتحليلات متعمّقة، لا مجرّد انطباعات متعجلة أو إسقاطات جاهزة.
الصورة النمطية الأولى، هي للمواطن العربي البسيط الذي حُمّل أسباب ذلك التدهور الثقافي والأخلاقي والحضاري في العالم العربي، لأنه -أي المواطن العربي- لا يبحث عن “المحتوى” الجيد من الأفكار والرؤى والآداب والثقافات والفنون. وهذه التهمة المستمرة لهذا المواطن العربي البسيط، محاولة خبيثة للالتفاف حول حقيقة ذلك التدهور في منظومة الذائقة العربية. المواطن العربي، وهو القارئ والمشاهد والمتابع والمتفاعل والمتأثر بكل ما يُنتج، ينجذب للأسلوب العصري الجذّاب واللغة الديناميكية المتطورة، ويكره الطرق والأساليب والأنماط الرتيبة والمتخشبة والمملة، لذا فهو يُقبل بسعادة وكثافة على البرامج والأعمال الثقافية والفنية والإعلامية الجادة والرصينة التي تُخاطب عقله وتستفز مشاعره، ولكن حينما تُعرض بأسلوب عصري وبإيقاع سريع. المواطن العربي البسيط، مازال يستمع لأيقونات الغناء العربي، رغم طغيان النشاز والإسفاف والتلوث السمعي الذي يخدش كل ملامح الفرح والسمو والألق. إذاً، المشكلة في طريقة العرض وليس في المحتوى.
الصورة النمطية الأخرى، هي للمثقف العربي الذي ينتج هذا المحتوى. لقد تمرحل المثقف العربي خلال عقود طويلة على عدّة صور/ أشكال للثقافة والمعرفة والتجربة. البدايات، كانت مع الكتاب الذي وجد فيه ضالته. الكتاب بكل ما يحمله من سحر ومتعة وعمق، ساهم في تشكيل وصياغة وتأصيل فكر ومزاج المثقف العربي. ثم جاءت “ثورة النشر” الإعلامي والفضائي والتي أنتجت طبقة عريضة من المثقفين والأدباء والشعراء والصحفيين، ساهمت في “تجسير” العلاقة بين “جيل الكتاب” والجيل الحديث الذي أفرزته الألفية الثالثة وهو جيل الإعلام الجديد بكل تقنياته ووسائله ووسائطه وشبكاته الاجتماعية. هذه الأجيال/ الطبقات الثلاث من المثقفين العرب، تتحمل جزءاً من ذلك التراجع في الذائقة العربية، ولكن ماذا عن بقية الأطراف الأخرى؟
السؤال المهم هنا: هل المشكلة في الإنسان العربي، سواء كان المثقف أو القارئ، أم في تلك الأسباب الأخرى “المسكوت” عنها؟
المصدر: الرياض