مدير تحرير صحيفة الجزيرة
أود إبلاغ وزارة الشؤون الاجتماعية أن الدكتورة مها المنيف كرمها الرئيس الأميركي بجائزة «أشجع امرأة» في الرياض، بعد أن منعتها الإصابة من تسلمها من زوجته في أميركا. وأن هذه السيدة كانت خلف نظام «الحماية من الإيذاء» الذي أقره مجلس الوزراء عبر الوزارة ذاتها بحكم الترتيبات البروتوكولية، بينما هو جهد المنيف ورعاية الحرس الوطني عبر برنامج الأمان الأسري الوطني الذي أنشئ عام 2005 بأمر ملكي. وأذكّر الوزير أنه سبق أن حضر ندوة أدارتها مها برعاية وزير التربية والتعليم السابق الأمير فيصل بن عبدالله، وأنه حضر معها جلسة نقاش في الحرس الوطني، أما ما عدا ذلك فلا يبدو أن لقاءات عمل تجمعهما، على الأقل إعلامياً. وأن الوزارة العتيدة استولت علانية على النظام مثل ما فعلت روسيا بالقرم، من دون أن تكون عاملة عليه أو أن يكون لها دور فيه.
موقع الوزارة القائمة على شؤون اليتامى والأرامل وكبار السن يتزين بخريطة عشبية وصور مسؤولي الوزارة من دون صورة إنسانية واحدة، أو بسمة طفل، أو نظرة تفاؤل من عجوز، أو صورة لمنطقة خدمات، أما تصريحات الوزير فمدارها الأساس الشكر والثناء والتهنئة. وعند البحث في الموقع عن مها المنيف الحاصلة على ثلاث جوائز دولية في العمل الاجتماعي فلا وجود لها، وكأنها تنتمي إلى كوكب آخر، أو أن طبيعة نشاطها لا تتفق مع معايير الوزارة العتيدة، أما عائشة الراشد، التي أنشأت داراً لليتيمات في الأحساء بقيمة 21 مليون ريال، فكانت يتيمة الذكر في إشادة من الوزير بعد الحدث بفترة طويلة، خضوعاً للضغط الإعلامي.
مشكلة وزارة الشؤون الاجتماعية أنها وزارة مثقفة تميل إلى التنظير والدراسات، خصوصاً أنها تضم لفيفاً من الأكاديميين الذين يفهمون بعضهم، والمشغولين بالتصريحات والمؤتمرات والزيارات النظيفة، بينما المحتاج إلى خدماتهم إما أن يكون أمياً وإما عاجزاً وإما طفلاً لا يفقه عباراتهم ولا تعنيه دراساتهم، إنما كل مطلبه سرير أو غذاء أو دواء أو سكن يؤويه. وهي حاجات لا يمكنهم معرفتها ما لم يدخلوا بيوت صفيح عرعر وأحياء الفقراء، ويستشعروا قيمة الحاجة إلى الدواء حال العجز عن الحصول عليه، ومعنى اليتم ومرارته وذله. هي وزارة مكاتب لا يدخل المحتاج أروقتها حفاظاً على نظافتها، ولا يزوره سكانها حرصاً على أناقتهم. هي وزارة لا ظهور لها في الإعلام إلا بحجم الشكوى والانتهاكات في مراكزها ودور رعايتها المحجوبة عن الإعلام كأنها أحد الأسرار العسكرية.
وزير الشؤون الاجتماعية وطاقمه الكبير وإداراته الكثيرة إلى حد التشابك يجب أن يكونوا في وزارة التخطيط حتى يشبعوا ولعهم ولا يسائلهم أحد عن نشاطهم، خصوصاً أن كل حديثهم إحصاءات وأرقام مموهة، وخططهم مستقبلية، ورؤيتهم تفوق مدار أصحاب الحاجات الأساسية الذين يحتاجون رجلاً مثل عبدالرحمن السميط أو نساء مثل مها المنيف التي يوجعها ألم كل طفل كأنه ابنها.
وزارة الشؤون الاجتماعية مدانة، لأن المحتاجين إليها لا واسطة لديهم ولا سلطة، ولا يعرفون «تويتر» أو يجيدون الكتابة أو يقدمون برامج تلفزيونية، بل إن معظمهم لا يستخدمون الهاتف، فهم إما محبوسون في دور الرعاية فلا صوت لهم، وإما يبحثون عن لقمة ومأوى. إنها الوزارة التي تعتاش على المحتاجين بدلاً من أن تعيشهم، وإن بقيت على حالها زادت أوجاع المكلومين وأرخى عليهم الفقر وذل الحاجة.
لو أن مها المنيف حين فكرت عام 2002 بمشروع «الأمان الأسري» لجأت إلى وزارة الشؤون الاجتماعية لما كانت أشجع امرأة. ولو أنها أودعت السجل المدني لحالات إساءة معاملة الطفل لدى الوزارة لما كان واقعاً حياً. مها ليست بحاجة إلى شكر الوزارة الذي لم يأتِ بعد، لكننا نأمل بأن تتحقق أمنية الوزير في أن تخلفه امرأة لتصبح الوزارة جزءاً من الناس، وليست فرعاً لجامعة.
المصدر: الحياة