المهندس مهدي علي مدرب المنتخب الوطني ومدير إدارة في هيئة الطرق والمواصلات في دبي، شخصية يغمرها الهدوء، وتلك الصفة تلازمه منذ نعومة أظفاره، وعندما يتحدث إليه الآخرون، يصغي ويستمع إلى كل حرف، ويحرص على الاستفادة من استطراد الطرف الآخر. وهو بالمجمل ذو «كاريزما» صامتة.. تميز في تعليمه وتحصيله المدرسي، وعزز إمكانياته المعرفية في مجال الهندسة الإلكترونية في الجامعة. كان نجماً بارزاً في نادي الأهلي قبل أن يتعرض للإصابة ويعتزل لعب الكرة. وتحصيل حاصل لكل هذه المعطيات، استطاع مهدي علي، صقل موهبته الكروية والتألق مع المنتخب الوطني، والنهوض به تدريبياً وتحقيق إنجازات تضاف إلى رصيد الإمارات، آخرها الحصول على كأس دورة كأس الخليج 21 في البحرين.
تقديم الهدايا
بكل تأكيد يستحق الكابتن مهدي الظفر بحيز من «شخصيات الإمارات»، وفي السطور التالية يتابع جاسم محمد «الفأر»، أحد لاعبي منتخب الإمارات في مطلع السبعينات، ومن المقربين من مهدي علي، حديثه عن الكابتن مهدي، ويقول: امتزجت حياته بحب الكرة والتقنيات، وعندما يذهب إلى المنزل، كثيراً ما يلعب مع أبنائه مباريات كرة قدم عبر «البلاي ستيشن»، ورغم انشغالاته الكثيرة والمتشعبة، إلا أنه يمنح أفراد الأسرة أكبر ما يمكن من الوقت، ولا يتوانى عن المشاركة في المناسبات العائلية، ويبادر في مختلف الأعياد والمناسبات بتقديم الهدايا إلى أبناء أشقائه وشقيقاته.
وأوضح جاسم أن الإرادة هي المحرك الأساسي والسبب الأول لتحقيق السبق في حياة المهندس مهدي علي، سواء على الصعيد المهني أو الشخصي، وثمة مواقف تؤكد حجم الإصرار الذي يتمتع به أمام تحديات الحياة، فحينما كان لاعباً في نادي الأهلي سابقاً، وفي إحدى المباريات المهمة أمام العين، بقي على مقاعد الاحتياط بحكم أنه مصاب، وظل يراقب أحداث المباراة وتحركات اللاعبين بصمت مطبق، وبعد انتهاء الشوط الأول من المباراة، أصر على الدخول والمشاركة رغم شعوره بألم الإصابة، وسجل بعزمه وإصراره هدفاً تاريخياً هز شباك مرمى الخصم بتسديدة قوية من منتصف الملعب.
عائلة كروية
ينتمي مدرب المنتخب الوطني إلى عائلة كروية، وحب كرة القدم هواية ورثها من ابن عمه الأكبر، وله ثلاثة أشقاء لاعبون في النادي الأهلي.
وأضاف جاسم محمد: أهم الملامح العامة في حياة الكابتن مهدي، أنه لا يصاحب أياً كان ولا يحتك مباشرة مع الطرف الآخر، وتغلب الجدية بصفة عامة على كافة ملامح شخصيته، وأجمل ما يمكن قوله إن حياته منظمة إلى حد كبير، إذ لا يتأخر عن المنزل في المساء، ولا يحبذ فكرة السهر مطلقاً، وهذا النسق في حياته لا يزال يواصل به منذ الصغر وإلى الآن، إلا في حالات نادرة جداً.
خطط وبدائل
وأكد أن الفضول لا يثير اهتمام الكابتن مهدي علي، وهو لا يحب أن يسأل كثيراً وإنما يستشف الإجابة من الطرف الآخر، وحاله يؤكد «خير الكلام ما قل ودل». وعندما يصطدم بالمشاكل والأزمات، يفاجئ جميع من حوله بحلول وخيارات سريعة يطرحها لتجاوز المشكلة، وأبعد من ذلك، لدى علي قدرة على التكهن بالمشاكل أو توقعها قبل حدوثها، لذلك تجده يضع الخطط والبدائل مبكراً، وهو ما ينطبق على واقع مباريات كرة القدم حينما كان لاعباً وعندما أصبح مدرباً، إذ إنه يتابع مباريات مختلف الفرق لدراسة أداء وطرق اللعب، متصوراً أنه سيواجه الفريق الذي أمامه يوماً ما، وعليه أن يستعد للقائه.
وسائل التواصل
علاوة على ذلك، يحرص الكابتن مهدي علي كما أشار جاسم، على التواصل والتفاعل عبر وسائل التواصل الحديثة مع خبراء الرياضة وعشاقها من مختلف أنحاء العالم، ويناقش مع كافة الأطراف شؤون كرة القدم خصوصاً والرياضة بصفة عامة، ويستقي ما يفيد لاستثماره في الجانب الرياضي. ومن الطبيعي أن يكون للنجاح أعداء ومناوئون، وثمة أشخاص تربصوا بنجاحات مهدي المتوالية منذ كان لاعباً، وكان على الدوام يواجه هذه الأجواء المشحونة والمعادية بالنأي بالنفس عنها جانباً، وعدم الاحتكاك إطلاقاً مع من لا يكن له طيب نية، بل تراه يبادر بالسلام ويلقي التحية، ويقابل من لا يحبونه بابتسامة عريضة.
كرة ووظيفة
واختتم جاسم «الفأر»: كثيراً ما تتساءل الجماهير عن مهنة مدرب المنتخب الوطني، وكيفية فصلها عن كرة القدم، وفي الواقع فإن مهدي علي موظف في هيئة الطرق والمواصلات، وهو يحرص على ممارسة العمل على أتم وجه، إذ إنه ينهض مبكراً ولا يتأخر عن العمل، ولا يتذرع بالمباريات أو الكرة على حساب الوظيفة، وإنما يفصل بين الاثنتين إيماناً منه بأن العمل يأتي أولاً. ويحرص مهدي على عدم الانجراف خلف الكرة إذا كانت ستأتي على حساب المهنة، وفي النهاية فهو يسير بتوازن من ضبط، وعند اللزوم يطلب تفريغاً لحضور المعسكرات الرياضية الخاصة بالنادي أو المنتخب، ويستقطع ما يحتاج من الأيام من رصيد إجازته السنوي، مقدماً بذلك درساً معبراً للجميع بأن الشخص لا بد وأن يضحي بالمهنة والعمل حتى تتألق ويتميز في موهبته.
على نفقته الخاصة
أوضح جاسم محمد أن المهندس مهدي علي لم يبحث عن الشهرة ولا المال طوال مسيرته الحافلة بالإنجازات، وإنما ركز على تحقيق النجاح أولاً لدولة الإمارات، وقد حقق هذا التفوق الكروي نتيجة حضوره المستمر للمعسكرات الرياضية، فمنذ كان لاعباً؛ حرص على المشاركة في الدورات التدريبية على نفقته الخاصة، سعياً إلى صقل موهبته وتنمية مهاراته الرياضية، مضيفاً: إن عشق مهدي الصارخ لكرة القدم، جعله لا ينظر إلى المال، لاسيما وأنه يتمتع بدرجة وظيفية واجتماعية رفيعة، وقد اجتهد علي لتحقيق أهدافه الرياضية بعيدة المدى مبكراً ومنذ كان على مقاعد الدراسة، وبهذا النهج الواضح، استطاع أن ينتقل من لاعب إلى مدرب في نادي الأهلي، وتمكن بثقة واقتدار من أن يحلق بمنتخبنا الوطني عالياً في سماء التميز.
الأب الروحي للاعبين والطبيب المداوي للمصابين
يقول جاسم محمد: إن الأنانية مفقودة في قاموس عمل المهندس مهدي علي، والتمييز بين اللاعبين أمر مرفوض في نهجه التدريبي، فلا فرق بين لاعب وآخر، بل وبين نادٍ وآخر إذا كان الفريق يمثل الدولة، ومن المواقف التي تسجل له، أن الكابتن مهدي يحرص على زيارة بعض الأندية في مناسبات مختلفة، ومنها نادي الشباب عندما كان أمام مباراة مهمة منتظرة في دوري أبطال آسيا الــ16، وحينها حرص على مؤازرة الفريق ومساندته بالتوجيه والنصح والإرشاد، وذلك من منطلق قناعة يحتفظ بها بأنه في مثل هذه المحافل فإن النادي لا يمثل نفسه وإنما يمثل دولة الإمارات ككل، فضلاً عن زيارات أخرى بادر بها إلى أندية محلية دون انحياز أو تفكير بأن الذي يزوره هو خصم ومنافس.
راشد عيسى
ومن الصور الرائعة التي تجسد حميمية العلاقة بين المهندس مهدي واللاعبين، مشاركتهم الأفراح والأحزان بلا استثناء، والتعامل مع الجميع في إطار علاقة تؤشر بتفاصيلها إلى واقع عطف الأب، ومساندة الأخ، ووفاء الصديق. وعندما تعرض راشد عيسى لاعب منتخب الإمارات للشباب ونادي الوصل لإصابة، وقف المهندس مهدي إلى جانبه ولم يتخلَ عنه مطلقاً، وقد كان ينهض كل يوم في الصباح الباكر ويذهب من أجل تدريبه، وهو يعتقد بكل ثقة أن هذه الزيارات اليومية هي خير حافز لإعادة الثقة إلى اللاعب المصاب، ومؤكداً في الوقت نفسه أن المدرب أو النادي ككل، لا يمكنه التخلي عن لاعب من جراء إصابة، وكثيراً ما يوجه اللاعبين بتقديم واجب المواساة عند حدوث مكروه للاعب أو أسرته، وهو ما حدث عندما توفي لاعب المنتخب الوطني ذياب عوانة في حادث سير.
إصرار مهدي
ثمة لاعب آخر تعرض إلى إصابة ورفض إجراء عملية جراحية، وعندما علم المهندس مهدي بالأمر سارع إليه محاولاً إقناعه، وأخبره أن الامتناع عن إجراء العملية سيثنيه عن المشاركة في المنتخب واللعب مع بقية أعضاء الفريق، وبعد شد وجذب رضخ اللعب إلى نصيحة المهندس مهدي علي، وأبدى الموافقة على إجراء العملية، وتلقى العلاج التمهيدي في الدولة، ومن ثم سافر إلى إحدى الدول في الخارج، وبعد إجراء العملية، زار المهندس مهدي علي اللاعب في المستشفى، ولاحظ أن العملية لم تنجح كما يجب، وراح يبحث عن مكان آخر يقدم العلاج المطلوب للاعب، وتوصل في النهاية إلى المستشفى المطلوب، عندها أصر على نقل اللاعب من أجل استكمال العلاج ونجح في مسعاه بعد محاولات مستميتة في إقناع اللاعب.
أعدها للنشر: علي الظاهري – شخصية اليوم يتحدث عنها: جاسم محمد «الفأر»
المصدر: البيان