كاتب وصحفي سعودي
انتقدت «إحدى العجائز» سيدة العالم الأولى ميشيل أوباما؛ لأنها لم تلتزم البروتوكول المتعارف عليه في مراسم العزاء، وأبسطه ارتداء زي أسود، فيما أوباما ارتدت زياً ملوناً على عكس ما ارتدته وزيرة الخارجية السابقة كوندوليزا رايس وزعيمة الأقلية الديموقراطية في مجلس النواب نانسي بيلوسي، وهو ما جعل «العجيز» -أطال الله عمرها- تقول عنها: «ما تستحي».
لم تكن السيدة أوباما هي الوحيدة التي انتهكت «عرض» البروتوكول، فالإعلام الغربي والعربي المستعرب أيضاً قام بما هو أكثر من ذلك، فعلى سبيل المثال، إحدى المحطات الفضائية الإخبارية الغربية التي تعتبر نفسها الأكبر والأعظم والأكثر مهنية، و.. و…، وكل الصفات الحميدة، يخرج أحد مراسليها الأفذاذ ليتحدث عن إنجازات خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز -رحمه الله- ليخلص إلى القول إن المرأة في عهده أصبحت تدخل الجامعات، فيما الإعلام البريطاني المحلي وبجانبه الأميركي يتحدث بأن السيدة أوباما «احمرت وجنتاها من وضع المرأة السعودية!» قال: وشلون عرفت الكذبة؟ قال من كبرها» (أجل احمرت وجنتاها!).
ياللهول، إنه إنجاز وأي إنجاز ذلك الذي تتحدث به الفضائيات نصيرة الحقوق والديموقراطيات، وأستغرب لماذا لم تتطرق إلى السماح للمرأة أيضاً بالذهاب إلى الأسواق على سبيل المثال، طالما هذه هي عقليتهم.
ما ورد يحتمل تفسيرين، إما أن الفضائيات تجهل فعلاً ما قدمه الراحل، وإما أنها انساقت خلف مهرجين وموتورين سعوا إلى تشويه الصورة الحقيقية للبلاد، وفي المحصلة هناك طرفان معنيان، فإن كانت الأولى، فنحن نتحمل جانباً من المسؤولية، وإن كانت الثانية فبلا شك أن المسؤولية تتحملها تلك الفضائيات على الأقل في ما يتعلق باختيار مراسل لديه قليل من العقل ليفكر، أو حتى وإن كان فيه مس من الحمق، فكان عليه أن يقرأ على الاقل، فنحن لا نطالب بالتفخيم والمبالغة، لكننا لا نقبل أيضاً التسفيه والانحطاط.
وفاة الملك عبدالله -رحمه الله- لم تكن بالحدث اليسير، ليس للسعوديين فحسب، بل لمختلف دول العالم، فالراحل شخصية لن تتكرر، وخسارته أعم وأشمل من مساحة جغرافية معينة. هذا أدركه الجميع منذ اللحظة الأولى لإعلان الخبر، ومع توافد الوفود التي كان أكبرها الوفد الأميركي اتضحت هذه الرؤية وترسخت أكثر وأكثر، لكن الحديث عن الإعلام الغربي شأن آخر، ففيما استسلم الإعلام الأوروبي في معظمه لتلك الرؤية أمام الاهتمام العالمي بالحدث، سعى الإعلام الأميركي لمحاولة توظيف تلك اللحظة في اتجاه آخر، فعلى سبيل المثال كان التركيز في ذلك الإعلام على ضرورة أن يطالب أوباما السعودية بتحسين سجل حقوق الإنسان، وبطبيعة الأحوال تم توظيف قضية رائف بدوي؛ لتعزيز ذلك، بيد أن أوباما كان أكثر تعقلاً من إعلامه الذي يدار معظمه من الحانات والملاهي الليلية (أستطيع أن أقول ذلك طالما أن هناك من يرى منهم أن أبرز إنجازات الملك عبدالله دخول المرأة للجامعات)، عندما أكد الرئيس الأميركي أن مهمته وفي هذا الظرف تحديداً تختلف تماماً عما يذهبون إليه، وهذا ما تم.
الجميع يدرك أن تبعية الإعلام العربي غالباً تميل إلى مصلحة الأنظمة الحاكمة، لكن على رغم هذه التبعية، يبقى الإعلام العربي الخليجي تحديداً أكثر واقعية في طرحه، مما يطرحه الإعلام الغربي أو إعلام بحر وشمال المتوسط؛ الذي يعتمد في جله على أشخاص يتسولون المعلومة من منتدى أو «تويتر» أو «فيسبوك»، وبجولة سريعة يتضح أن ذلك الإعلام -ولاسيما في ما يتعلق بالشأن العربي والسعودي تحديداً- مصدره تلك المنصات الإعلامية، وإن أردنا الغوص أكثر فإن مصدر الإشاعات على تلك المنصات هي مصادر ذلك الإعلام، فمجتهد ألَّف قصص ألف ليلة وليلة، وتم تداولها على نطاق واسع في الإعلام الغربي كمسلَّمات، لكن بعدما ثبت زيفها لم يستح ذلك الإعلام ويتراجع عن ترويج الإشاعة والأخبار الكاذبة، بل واصل استنساخ الأكاذيب في سقوط مريع لشرف المهنة، وهذا ما يحتم علينا في هذه المرحلة تأسيس قنوات ناطقة باللغة الإنكليزية تدار باحترافية؛ للوصول على الأقل إلى أولئك الذين يتقاعسون عن التمسك بشرف المهنة والكتابة بمعلومات أكيدة أو لإسكاتهم على الأقل.
أما الآن فنكتفي بالقول لذلك الإعلام، إن للسعوديين اليوم عينين، واحدة تبكي حزناً على فقدان الملك عبدالله، وأخرى تدمع فرحاً على تولي الملك سلمان مقاليد الحكم بكل سلاسة وهدوء، وهو ما يؤكد صلابة القاعدة التي تقف عليها هذه البلاد منذ تأسيسها، أما القول إنه أصبح بإمكان المرأة الذهاب للجامعة في عهد الملك عبدالله فنقول، إن تلك المرأة تخرجت وعملت وتزوجت وخلفت ودخلت مجلس الشورى وولدها تزوج وأنجب وحفيدها المبتعث في أميركا أو بريطانيا يجلس في المقهى المجاور لمبناكم يرتشف قهوة ويضحك على ما تقولون.
المصدر: الحياة
http://alhayat.com/Opinion/Saud-Il-Rias