تُسلط الأضواء على ميلانو منذ الأربعاء الماضي، إذ يزدحم جدول هذه المدينة الإيطالية الأنيقة خلال هذه الفترة بعروض لأشهر وأعرق دور الأزياء العالمية خلال أسبوع الموضة لخريف وشتاء 2016، بينما تكتظ شوارعها وأزقتها بكل المهتمين والعاملين في قطاع الموضة، ومن يحلمون بذلك، خاطفة أنظارهم على مدى أسبوع (يختتم اليوم)، وأنظار السياح على مدار العام كله.
قد يكون أكثر ما يلفت النظر في ميلانو هو الأناقة الشديدة لأهلها، فلا يمكن لامرأة أو رجل ميلاني أن يكسر قواعد هذه المدينة، وأن يخطو خارج عتبة منزله دون التأكد من أنه يصلح تماماً لأن يكون على غلاف مجلة موضة ما، تماماً كحال السائح الذي لا يمكن أن يكسر قواعد المطبخ الميلاني، وأن يتناول طبقها الأشهر من «الريزوتو الميلانية» المعطرة بالزعفران، أو أن يزور جدارية «العشاء الأخير» لليوناردو دافنشي، التي لا يمكن التمتع بتأملها لأكثر من 15 دقيقة فقط لكل مجموعة، في محاولة للحفاظ عليها، أو أخذ صورة في وسط ساحة مليئة بالحمام مع واحدة من أكبر وأشهر كاتدرائيات العالم «الدومو» كخلفية مبهرة، وهي الكنيسة التي مرت بكثير من الحقب واحتاجت نحو 500 عام للانتهاء من بنائها، لتتحول هذه الساحة إلى ملتقى للسياح، والعشاق، وكل من يرغب في تناول كوب من «الكابوتشينو» في مقهى أنيق مطل على الساحة بمشهد يجمع بين التسوق، والتاريخ، والموسيقى، والزحام غير المبالي لك، وحتى عروض الشارع المتفرقة.
تلك هي ميلانو التي خلقت بذكاء غير متعمد الكثير من الجمال، والأناقة، والتاريخ، والفنون، وآخر متعمد من الأهمية الاقتصادية والتجارية، والمقدرة الفذة على إضافة طابع شبابي لا شبيه له، على كل الإرث القديم الغني، محققة بذلك معادلة صعبة، أضفت سمة العصرية والحداثة على مدينة عجوز.
معالم
هذه السمة يمكن ملاحظتها في كثير من أجزاء المدينة، والكثير من المباني القديمة التي تم تجديدها، مع المحافظة على شكلها الخارجي الذي يعكس تاريخها، ومن أشهر هذه المباني، مبنى فندق «مي ميلان إل دوكا» المطل مباشرة على أحد أكبر الميادين الإيطالية «بياتزا ديلا ريبوبليكا» (ساحة الجمهورية)، الذي تم بناؤه في عام 1865 لاحتضان محطة السكة الحديدية المركزية في ميلانو، والتي أغلقت في عام 1931، إذ تبعد الساحة بضع دقائق عن حي الأزياء ومنطقة «بورتا غاريبالدي» الحيوية الجديدة، والمحال ذات المفاهيم المبتكرة، وصالات العرض المتخصصة في التصاميم الفنية، إضافة إلى قربه من «بورتا فينيتسيا»، أقدم حديقة ميلانية يعود تاريخها إلى عام 1780، وهي حالياً مقر متحف التاريخ الطبيعي والقبة السماوية.
وكان مبنى «مي ميلان إل دوكا» قد تم تصميمه بالأصل على يد المعماري الراحل ألدو روسي، الذي وُلد في عام 1931، وحقق شهرة دولية واسعة كأول إيطالي يفوز بجائزة «بريتزكر» في عام 1990، هو الذي وُصف بـ«الشاعر الذي أصبح معمارياً»، لاسيما أنه كان يؤمن دائماً بأن التصميم المعماري هو أساس كل مدينة، وقد منح هذا المبنى تصميماً متوازناً وبسيطاً، ليحظى بإطلالة بارزة تجعله أحد أهم المباني المميزة في الميدان.
لا يسع الزائر سوى ملاحظة العلاقة الوطيدة بين الفندق، والحداثة بشكل عام، سواء تلك التي تظهر على ديكوراته العصرية ابتداء من مدخله، أو جلساته المريحة ذات قطع الأثاث التي تحمل تواقيع مصممين عالميين، والتي تعطي انطباعاً بأن الزائر في فيلا أنيقة وعصرية، أو تلك المتعلقة بمطاعمه التي تعد واحدة من أشهر الوجهات في المدينة سواء لتناول طعام مميز، أو التمتع بمناظر مبهرة للواجهة الحديثة منها، أو للقاء «مصادفة» بمشاهير العالم، من موسيقيين، ومصممين ورياضيين، لروحه الشبابية العصرية، وقدرته على خلق علاقة وطيدة مع زواره، سواء من خلال تعزيز العلاقة الشخصية مع الزوار، أو عبر خلقه طابعاً شخصياً لأجنحة وطوابق الفندق، التي يحمل كل منها اسماً وتأثيراً مختلفاً في زواره.
جناح «مي»
لا يمكن الحديث عن «مي ميلان»، دون التطرق إلى جناح «مي» الذي يعد أحد أشهر أجنحته المبهرة، والتي غالباً ما تجذب زواره المشاهير، لما يتمتع به من تصميم مبتكر، وجلسات متفرقة، وطاولة «بليارد» ضخمة تتوسط المكان، ومائدة طعام فخمة، إضافة إلى شرفة توازي مساحة الجناح وأناقته وخدماته، وهو يطل على ساحة الجمهورية «بياتزا ديلا ربوبليكا»، ويتمتع بموقع استثنائي لاستضافة الأحداث الخاصة، وذلك بفضل مساحته الشاسعة، وشرفته الخاصة، وتجهيزات المطبخ، منقسماً إلى ثلاث مناطق مع مساحة للمعيشة يمكنها أن تستوعب 20 شخصاً، ويمكن فصل غرفة النوم من المساحات المشتركة لتوفير خصوصية مطلقة.
جولة يوم كامل في حافلة سياحية قادرة على أن تعطي الزائر فكرة عامة حول الوجهات التاريخية التي لا يجب تفويتها في المدينة، إلا أنه من الظلم أيضاً أن تقتصر زيارة هذه المدينة على تاريخها الغني فقط، فهي كما هو معروف عنها، واحدة من أشهر الوجهات العالمية للتسوق، وللفن، ولا يمكن الحديث عن الأخير دون أخذ جولة في دار الأوبرا «لا سكالا»، التي أعيد تشييدها في عام 1778 بعد حريق ألم بها، حيث يمكنها أن تضم حالياً نحو 3000 شخص.
وسواء كان الزائر من محبي الموسيقى والفنون، أو يعتقد بأنه لا يحمل أي اهتمامات تجاه الأمر، فيمكن لعرض أوبرالي، أو باليه عالمي واحد، أن يغير رأيه في الأمر تماماً، بينما يمكن لجولة سريعة على الحجرات التي تضم صوراً ولوحات وفساتين عروضاً، ورسائل تاريخية حول الدار، أن تشد اهتمامك نوعاً ما تجاه قيمة المكان التي ضمت بين ممراته، وصدحت فيه أصوات وعروض أعظم فناني العالم على مدى 200 عام مضت، كما تعد «لا سكالا» أحد أشهر مسارح عروض الباليه في العالم، وتضم أيضاً أكاديمية للتدريب المحترف على الفنون، من موسيقى، ورقص، وإدارة مسارح.
«جورجيو أرماني»، قد يكون اسماً بسيطاً بالنسبة للكثيرين قادر على أن يربط الذهن مباشرة بواحدة من أشهر الماركات الإيطالية العالمية، ويمكن للاسم أيضاً أن يصور في الأذهان شكل رجل أنيق بشعر شديد البياض، وبشرة مسمرة تكسوها التجاعيد الفخورة، هو بالنسبة للعالم أجمع، مصمم أزياء ومؤسس ماركة عالمية شهيرة، إلا أنه للإيطاليين عموماً والميلانيين خصوصاً، مالك لإمبراطورية لا تنتهي من المشروعات والعقارات والشركات، فبالإضافة إلى علاماته التجارية العديدة المنطلقة تحت مظلة الماركة الرئيسة، يمتلك هذا الرجل ما يكفي لأن يصفه «الميلانيون»، خصوصاً عند التجول في واحد من الأحياء التجارية الراقية التي يمتلكها، بـ«أن الهواء هنا ملك لأرماني أيضاً»، ما يجعله كذلك أحد أهم الرموز الإيطالية في ميلانو تحديداً، والتي لا يمكن سوى ذكرها.
المصدر: صحيفة الإمارات اليوم