كاتبة سعودية
كل قضايا الأطفال في هذا المجتمع تعنينا، ونهتم بها ونأخذها على محمل الجد، وكأنها تحدث لأطفالنا، فإذا أعطينا ظهورنا لقضية واحدة، فسيتخاذل بقية أفراد المجتمع عن الانتصار للطفولة، التي قطعنا سنوات نعُدها للمستقبل، نفس المستقبل الذي سيعيش فيه أبناؤنا وأبناء الناس معاً. لذلك لا نستطيع أن نكتفي بالاهتمام بالقضايا التي تدور حول أطفالنا بأنانية مطلقة، بل ينبغي أن نقوم بدورنا الإنساني ومسؤوليتنا كأفراد، للمحافظة على الإنسانية من الانقراض، بالتحرك والتبليغ واتخاذ موقف نبيل من الانتهاكات الشاذة التي تحدث حولنا. كل طفل يتم تعنيفه أو تعريضه للإهمال والأذى، هو ابن لنا ولهذا المجتمع، طالما يعيش معنا تحت سماء واحدة.
فإن كنا اليوم نستطيع حماية أبنائنا، فهذا لا يعني أننا سنستطيع للأبد، ولا نضمن بأنهم سيُعاملون معاملة حسنة بعد أن نرحل ولا يصبح لوجودنا تأثير، «لا شيء مضمون». ولكن بأيدينا أن نطالب بتقوية سطوة القانون، الذي من شأنه أن يحميهم ويرحم ضعفهم ليبقوا في حماية الدولة، التي وضعت لهم «نظام حماية»، مازلنا نطمح بأن تكون لائحته التنفيذية أكثر صلابة، لتردع جرائم مختلي هذا الزمن بحق الطفولة.
شاءت الأقدار أن تنكشف معاناة أطفال خيبر للملأ، من أجل إنصافهم وإنقاذهم ورفع الظلم عنهم في المقام الأول. ولتكشف عن نوعية التهاون والتخاذل، الذي اشترك فيه عدة أطراف، كانوا يعلمون مسبقاً بالحياة التعيسة البشعة التي كان يتعذب تحت وطأتها الأطفال، ومع ذلك لم يحركوا ساكناً إلا حين أوشك الأبناء على الموت. في كل جريمة هناك شركاء يصمتون، يحسبون بأنهم يُحسنون صُنعاً بلم المشكلة، وحين تنكشف يتقاذفون المسؤولية بصوت مسموع، ويبقى الصوت الأخير الذي نود سماعه في النهاية عالياً صوت القانون. ولكن «لا شيء مضمون»؛ لأن كل قضية إيذاء كانت تنتهي بنتائج تصدمنا، تخيفنا وترعبنا، حين نكتشف أماكن الخلل، التي تلح لتختبر صلابة وقوة نظام الحماية، الذي لا نشك بأنه كُتب جيدا، ولكن كل الشكوك تُنسج حول ضعف آلية التطبيق.
فإذا كان بند المادة الثانية في النظام ينص على: «ضمان توفير الحماية من الإيذاء بمختلف أنواعه. وإيجاد آليات علمية وتطبيقية للتعامل معه». فلا يمكن أن تختزل تلك الآليات كل مرة في أخذ (تعهد) على الطرف المعتدي وإطلاق سراحه لمجرد أنه أحد الوالدين، أو تحت شعار الصلح خير لمصلحة الأبناء. هذا الاعتقاد الخاطئ يقود دائماً لتفاقم كثير من الحالات مثل قضية أطفال خيبر المعنفين، التي تباينت فيها الإفادات، والقضية باختصار، أساءت أُم أنجبت 14 ابناً، معاملة ثلاثة منهم، بين حبس وتجويع طوال سنتين على حسب إفادة الأب، وثلاث سنوات على حسب إفادة العم. ومجرد سوء معاملة وضعف رعاية على حسب إفادة المحافظ. فالطفل الذي يبلغ 12 سنة وكان في كامل صحته سابقاً، تعرض للتجويع والحبس في دورة المياه، والضرب بشكل شبه يومي، والأخت التي تبلغ 14 سنة كانت تُحبس منذ 10 سنوات ولا يسمح لها حتى برؤية أختها، والأخت ذات الـ 20 ربيعا، تم تجويعها وسجنها انفرادياً، في غرفة أخرى منعزلة فوق السطح، وضربها في أوقات متفرقة.
والنقطة المهمة التي يجب أن لا يُغفل عنها في هذه القضية ليست نقطة واحدة بل ثلاث إلى الآن وربما أكثر. حين كشف العم أن أسباب التعنيف والتعذيب هو المال؛ لأن الأم بدأت تجويعهم بعد حصولها على الجنسية، لتحولهم إلى أطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة، لتتسلم إعانة المعاقين والضمان الاجتماعي من الدولة؛ حيث لديها ابنة غيرهم مصابة بالأنيميا، تم تسجيلها من قبل الأم في إعانة الشؤون الاجتماعية، مع طفلة أخرى، وسُحب من الفتاتين بطاقة الصرافة لكي تحصل الأم على المال، وهذا هو هدفها الرئيس. والمشكلة الأكبر حين أشار المحافظ إلى أن القضية كان لها خلفيات سابقة منذ عام ونصف العام، حضرت أثناءها هيئة حقوق الإنسان في المنطقة وحققت في الأمر، ثم انتهى الأمر بأخذ التعهدات اللازمة أمام المحافظة، بحسن رعاية الأبناء والاهتمام بهم، دون أن يوضح السيد المحافظ من الذي كتب تلك التعهدات! هل اتضحت الصورة الآن؟ هل اتضحت ملامح المتسبب الحقيقي في تفاقم هذه المأساة، التي توعدت وتعهدت حقوق الإنسان (التي كانت شاهداً على المشكلة منذ سنة ونصف السنة) بتقديمه للعدالة؟!!
تابع المحافظ إفادته، بأنه بعد أن أحالت الشرطة القضية لهيئة التحقيق والادعاء العام، وجدوا بعد التحقيق أن الأم مريضة نفسياً، فأطلق سراحها، «مستغرباً» في نفس الوقت من عدم تواصل عم الأطفال منذ وقت مبكر مع الوزارة لحمايتهم. والحقيقة ربما يكون العم أيضا وحقوق الإنسان منذ سنة ونصف السنة مستغربين. ولا أستبعد أبدا أن يستمر هذا الاستغراب، ليصبح المذنب والمتسبب الأول والأخير في النهاية الأطفال أنفسهم؛ لأن لا شيء مضمون.
المصدر: الشرق