واجه «الناجون» من حادثة غرق المنصة «عربية 4» التابعة لشركة «أرامكو السعودية»، أسوأ ثوانِ في حياتهم، قرّبتهم إلى الموت «من دون مؤشرات مسبقة» بحسب ما رووه، ما جعلهم يعيشون «أوضاعاً نفسيّة سيئة» وهم يحاولون اليوم، بعد أسبوع من الحادثة، تخطّيها بتبادل الزيارة بين بعضهم. ويسعون أثناء لقاءاتهم بعد «الحياة الجديدة»، إلى تبادل الأحاديث «لاسترجاع ما حصل». ما جعل الفريق الآخر الذي كان يتمتع يوم الحادثة بإجازته يواجه «الخوف من العودة إلى العمل»، إذ نزل الخبر على أعضاء هذا الفريق كـ «الصاعقة»، وذلك بعد تخيّلهم بأنهم في المكان ذاته.
وتواصل «الحياة»، رصد شهادات الناجيين من الحادثة، إذ روى الشاب فهد الظفيري، الذي كان موجوداً في منطقة تناجيب، بحثاً عن أصدقائه، وزملائه في العمل، تفاصيل ما حدث، مؤكداً: «لا أستطيع التخلّي عنهم»، واصفاً المجموعة بـ«اليد الواحدة، ولا يوجد لهم مثيل».
وقال إلى «الحياة»: «كنت أجلس مع زملائي أكثر من جلوسي مع عائلتي»، موضحاً أن غرق المنصة، كان بمثابة «أكشن لم يتعدَ ثواني، تزامن مع انطفاء الأنوار، ما جعلنا نعيّش في الظلام». ردّد إثره «لم أصدق كيف خرجنا من هناك».
ولم يكن الظفيري، متزوجاً كي ينشغل باله بأموره الحياتية، إلا أنّه بدا «مشوّشاً» من خلال حديثه، ولم يعد يستطيع تحمّل التفكير في الأحداث التي وقعت، واصفاً نفسيّته بـ «السيئة». وقال: «نعيش جميعاً الآن وضعاً مزرياً». وفيما كان مجتمعاً بأصدقائه بعد حادثة الغرق «نتبادل النكات على موبايل أحد الناجين منهم»، الذي لم يفقده أسوة بأجهزة موبايل البقيّة. إذ أوضح أن صاحب الموبايل كان يردد «موبايلي هو من أنقذكم».
وفقد فهد ذو الـ23 عاماً، «الأمل كلياً في العودة إلى الحياة مرة أخرى، إذ جلس بين اثنين من زملائه، وهم في بطن البحر. وكان سائق المنصة يردد علينا «خليكم معي». فيما كانت محاولة النجاة منهم جميعاً مستمرة حتى وصلنا إلى مرحلة اليأس». وذكر أنه كان يردد أثناء دوامه اليومي «يا شباب حلمت أن المنصة غرقت اليوم»، وبعد إنقاذنا، وركوبنا على «قارب النجاة» قال لي صديقي مشعل: «صحّني من النوم»، على رغم عدم وجود مؤشرات توحي بحدوث الغرق».
وأشار الظفيري، إلى أنه لم يكن يحفظ سوى رقم أحد إخوته. وقال: «أول ما خرجنا بدأنا في عدّ بعضنا للتأكد من كوننا أحياء حتى علمنا أن هناك ثلاثة مفقودين. فيما تعرّض أحد زملائنا إلى إصابة في ساقه ووجهه، وذلك من خلال ظهور آثار دمّ على المركب. وقمت بالاتصال بأخي، ولم أجد رداً، وحين وصلت إلى عيادة تناجيب، قام أحد الأشخاص بإعطائي موبايل، وكان المتحدث أخي، الذي علم عن الحادثة بعد انتشار خبر غرق المنصة «عربية 4». ولم نتوقع انتشاره من الأساس».
وأكّد الظفيري، أنّ حاله «في تحسّن دائم، ولم أكن أرغب في فقد أصدقائي الذين بدأت أتواصل معهم يومياً، ولم أنقطع عن زيارتهم، والحديث معهم، لتذكّر تفاصيل الحادثة، وتبادل النكات للخروج من الحال التي نعيشها جميعاً، على رغم فقد الجميع معظم ممتلكاته التي سيتم تعويضهم عنها لاحقاً»، مستذكراً سماعة اقتناها بمبلغ 1700 ريال، وفقدها في الحادثة، إذ لم تدم معه أكثر من يوم، وسأل عنها أصدقاءه بعد النجاة من الحادثة مباشرة.
أما الشاب مشعل الكبيبة، فلم يعد يسترجع كل ما وقع، لأنه «ذهب مع مياه البحر، ولم يتبقّ منه سوى أننا كنا نحاول لحظة غرق المنصة البحث عن مخرج»، مردداً «الحمد لله على كل حال» بعد عودته إلى الحياة. «إذ كان الموت على بُعد لحظات، ولم يخطر على البال، ولم يكن لوجوده أي مقدمات مسبقة».
وقال الكبيبة: «لم نتوقع حدوث ذلك، لعدم وجود أي مقدمات أو شيء يوحي بغرق المنصة». وفيما كنا نستعد لبدء العمل حدث الغرق الذي لم يتعدّ لحظات». وأضاف «كنت أحاول لحظة غرق المنصة البحث عن طريقة أخرج منها كي لا أغرق»، معتبراً ذلك آخر ما تبقّى في ذاكرته.
يذكر أن شركة «أرامكو السعودية» أعلنت الجمعة الماضي، عن تعرض المنصة البحرية «عربية 4» إلى الغرق في منطقة السفانية التي تبعد عن رأس الخفجي نحو 19 ميلاً بحرياً، وعلى متنها 27 موظفاً. ووقعت الحادثة بعد فقدانها التوازن في أحد أعمدتها التي تعتمد عليها للوقوف، ما تسبب في غرقها، ووفاة ثلاثة عمال كانوا على متنها، ونجاة الباقين.
المصدر: ناصر بن حسين – الحياة