الكاتب مثل الخطيب، هناك بعض المناسبات التي لابد من المرور عليها.. فلا يمكن تجاوزها أو القفز عليها، وإذا فعل فقد يتلقى عشرات الرسائل التي تلومه على عدم طرح الموضوع على طريقته.. ولأن المناسبات تتكرر فيجب أن تختلف زاوية الالتقاط في كل عام عن الذي قبله، حتى لا يتحول الحديث إلى إرشادي وعظي.. كالحديث عن الإقلاع عن التدخين أو الاجتهاد في الامتحانات والنظافة من الإيمان.. الكل يعرف هذه الفضائل لكن من يطبّقها؟
مشكلتنا في كل عام أننا نعيش رمضان «الانطباع» وننسى رمضان «الاستمتاع».. حتى صرنا أول ما نسمع كلمة رمضان نتذكر: اختناق الأسواق، أزمات السير، العصبية المفرطة، النعاس الذي يغشى المباني الحكومية، الهروب من منتصف الدوام، الشمس القريبة التي تسهم في الانتقام، المزاج المتكدّر، صوت المكيف الذي لا يهدأ، رائحة تابلو السيارة المتفاعل مع حرارة الجو، النوم الطويل، الخدر الذي يصيب الأطراف، الوجوه الصفراء، العيون الغائرة، الشفاه المشققة، أصوات المقرئين من السيارات، الفتاوى المكررة، دعايات العصائر والأرز ذي الحبة الطويلة، الراتب الذي لن يكفي، الليل القصير، كل هذه تجعلنا نعيش الشهر بضيق نهاري وتأفف ليلي.. فالدنيا تحاصرنا من جهاتنا الست.
مع أن رمضان في الأصل فرض للتخلص من كل ما سبق، من العصبية والكسل واختناق الأسواق وأزمات المرور والمزاج المتكدّر، هو نزهة طويلة في جنّات النفس، إجازة للجسد، وسياحة للروح، في رمضان استمتاع باللقمة بعد أن فقدناها بسبب السرعة والركض وراء العيش، هو تجمّع العائلة في وقت واحد على طبق واحد وهذا ما نحتاج إليه طوال العام، في رمضان تغتسل الروح من كل شيء مادي روتيني قاتل، في رمضان يصل العشق منتهاه، أن تجرّد نفسك من كل شيء اعتدت عليه خلال أحد عشر شهراً، أن تقلع عن كل شيء كان من الصعب الإقلاع عنه لترضي به حبيبك، في رمضان تتضوّر فرحاً لأنك نجحت في حي واختبار من يحبّك.
من زاوية أخرى.. النفس البشرية بحاجة إلى تغيير الروتين وكسر النسق اليومي الذي تعيشه، لكن العاجزين والفقراء لا يستطيعون قضاء إجازة في مكان ما، كما يفعل جل البشر، فهم لا يستطيعون السفر لقصور في الصحة أو في المال، هؤلاء سيُشملون أيضاً بتغيير الجو، لا يستطيعون نقل المكان فينقل لهم الزمان، عندما يأتي رمضان تتغير مواعيد نومهم واستيقاظهم ونوعية غذائهم يسافرون بأجواء رمضان وليله وسهره، فيتجدد النشاط وتبتسم الروح للحياة من جديد.
مرة واحدة دعونا نفكّر أن نعيش رمضان بروحانياته وتفاصيله السنوية اللذيذة، لا تأففاً ولا عادة سلكناها، فلنتخيل أن الانضباط والعمل في هذا الشهر مسجّلان لغايات ضبط الجودة فإن نجحنا.. كانت الترقية!
المصدر: الإمارات اليوم