كاتبة لبنانية
يدرك محررو مطبوعة «منيوت» اليمينية الفرنسية أن وضع عنوان «آية الله» مرفقا بصورة وزيرة التربية الجديدة «نجاة بلقاسم» والتحامل المقيت عليها وعلى تعيينها – سيحركان القضاء ضدهم، بل يحركان رأيا عاما إعلاميا وسياسيا أيضا، وهو ما حصل فعلا. فهذه الوزيرة الفرنسية الشابة من أصول مغاربية، تملك مؤهلات وسيرة ناجحة ساهمت في جعلها أصغر وزيرة فرنسية وأول امرأة تتسلم وزارة التربية، مما يجعل الوقوف إلى جانبها ودعمها أمرا بديهيا. لكن هذا لم يثن اليمين الفرنسي عن تصعيد حملته العنصرية ضدها بسبب جذورها، وهي المتألقة سيرة وعلما ومظهرا.
الوزيرة بلقاسم واجهت الحملة ضدها بظهور واثق وجذاب وإجابات حاسمة.. واستعمال عبارات ذعر وكراهية من نوع «مسلمة مغربية في التربية الوطنية» ليس بأمر جديد في فرنسا تحديدا، فقد سبق لليمين نفسه أن حمل على وزيرة سوداء ونعتها بصفات تحقيرية. لكن في مقابل هجوم اليمين على تولي مهاجرة مسلمة منصبا رسميا، يجري الاحتفاء أو على الأقل التغاضي عن وقائع مقابلة من نوع التهليل لنجومية اللاعب الفرنسي من أصل جزائري «كريم بنزيما» حين تألق كنجم للمنتخب الفرنسي في نهايات كأس العالم الصيف الماضي، وهو الذي لم يخف لحظة جذوره المسلمة الجزائرية وكان سبق له قبل سنوات من بروزه نجما أن شرح في تصريح له كيف تتأرجح النظرة نحوه، فهو «فرنسي حين أسجل هدفا وجزائري حين أفشل».
في المجتمع نفسه، تهاجم وزيرة لأنها مغربية، فيما يُحتفى بلاعب كرة قدم من أصول جزائرية. وهذه الازدواجية ليست بجديدة في فرنسا، التي تشكل قضايا اندماج المهاجرين فيها عصبا يوميا للحياة..
لا شك في أن مسألة العنصرية في فرنسا، وفي أوروبا عموما، هي في النهاية تجسيد لخلاف سياسي عميق يستعمل فيه اليمين كل ما في جعبته من عبارات كراهية وخوف من الآخر بصفتها وسائل قتال سياسي.. القضية لا يمكن اختصارها بهوية وعرق فقط، فالاهتزازات التي تضرب أي مجتمع تكشف عما تحويه المساحات غير المرئية منه، من بينها مشاعر العنصرية التي تعكس خوفا من جهة كما تعكس تكتيكا سياسيا من ناحية أخرى..
صحيح أن الثقافة الغربية والحداثة عموما تدفع نحو جعل العنصرية أمرا مدانا ومخجلا، لكن ذلك لا يعني أبدا أن تلك المشاعر هي إلى تراجع.. فالهوة الشاسعة بين القوانين والواقع ليست معضلة فرنسية فقط، بل هي تجتاح أوروبا والغرب خصوصا مع صعود نجم إسلاموية عنيفة ودموية تمثلها «الدولة الإسلامية» التي جذبت مهاجرين أوروبيين إلى صفوفها، مما جعل قضية «داعش» مسألة داخلية أوروبية وجعل المسلمين محل عداء وقلق كبيرين، وهذا تماما ما حاولت مطبوعات اليمين الفرنسي استغلاله في هجومها على الوزيرة نجاة بلقاسم. فالتركيز على جذور مسلمة لوزيرة في الحزب الاشتراكي ومسؤولة سابقة عن ملف المرأة بالحكومة، هو هجوم لا يرتكز على ثغرات في سيرة بلقاسم، بل هو يبني على الصورة القاتمة والمخيفة التي تقدمها «الدولة الإسلامية»، اليوم، عن المسلمين والإسلام وحتى عن المهاجرين.
توظيف «داعش» في صناعة صورة سلبية للمسلم، هو شغل اليمين الأوروبي اليوم. مسؤوليتنا أن نطرد «داعش» من صورتنا وأن نقول لذلك الرجل الأوروبي الذي قال: «لا أحب المهاجرين إلا عندما يسجلون أهدافا»: لا تقف مع «داعش» في صناعة صورة سلبية لنا…
المصدر: الشرق الأوسط
http://classic.aawsat.com/leader.asp?article=786337