كاتب و روائي سعودي
غدت داعش تنافس الأفلام الهوليودية في إخراج أفلامها البشعة، فجريمتها الأخيرة التي أقدمت فيها على قتل المواطنين المصريين في ليبيا كان إخراجها الفني متقدما، وهذا يعني أن الدم المسفوك بغزارة يقابله دم بارد للقتلة، إذ يقدمون على أفعالهم الإجرامية كعمليات نضالية لها لبوسات دينية مغلوطة تجد هوى عند البعض، والدليل على هذا الهوى التأييد المبطن أو المصرح به (حدث أن صرح البعض بذلك مبررين ومجيزين أفعال الدواعش) ويعود هذا الجذب والتكاثر في المنظمات الإرهابية إلى المفاهيم الدينية المغلوطة المرسخة في أعماق الكثيرين من نبذ الآخر أو إقصائه أو تصفيته، فالدين لديهم إما أنا أو أنت، فتلك المفاهيم المنحرفة لم تؤسس لديهم أهمية التعايش وقبول الاختلاف مع الآخر مهما كان معتقده أو دينه وبسبب هذه المفاهيم التي لم يتم تصحيحها عبر عشرات السنوات تم استغلالها باستقطاب كثير من الشباب المسلم سواء كانوا مسلمين أصولا أو مسلمين حديثي إسلام.
فأن يقول أحد منفذي قتل المواطنين المصريين جئنا بتعاليم نبي حمل سيفا.. تكون رسالة المنهج المنحرف طافية على السطح وبحاجة ماسة لتصحيح المفاهيم قبل مواجهة السلاح بالسلاح..
***
وفنية الإعداد والإخراج لأفلام داعش غدت متقدمة فنيا، ففي إخراج آخر فيلمين لهما (مقتل الكساسبة والمواطنين المصريين) تظهر قصدية الاستعراض واستلهام البطل السوبرمان الذي لا يهزم (إلا أنه عند الدواعش ليس فردا واحدا بل جماعة) ويمكن استلال قراءة مقارنة لهذه المشهدية الاستعراضية بأن الفعل الداعشي فعل غربي مستعار، وليس جديدا القول بأن منشئ داعش غربي الصناعة فكما أنشأوا بقية الفرق الإسلامية الحركية بدءا من الإخوان مرورا بالقاعدة وانتهاء بالدواعش أوجدوا أيضا الدول التي تساند هذه الجماعات وتوزيع الأدوار باحترافية توزيع أدوار الممثلين في سيناريو فيلم دموي.
وهذه الدموية المتوحشة والممهورة باسمنا كمسلمين يجب أن لا تغيب عنا أن الغرب يوجد لكل حقبة زمنية خطة استراتيجية تخص منطقة الشرق الأوسط، ولها بدائل يتم إحلالها إذ تعطلت الخطة الرئيسة ومع فشل تسيد الإخوان كان لابد من تحريك داعش كصيغة مجابهة ورافضة للأنظمة العربية بعد أن تكون قد اكتسبت تأييد كل الحركات الإسلامية الحركية المهزومة أو المشتتة.
ولهذا فالمشهد السياسي الإسلامي الحركي يضج الآن بالفوضى حتى أن الأهداف لم تعد واضحة فالداعم لهذا الوجود دخل هو أيضا لأعماق هذه الفوضى فما كان مخططا له من فوضى خلاقة انقلبت إلى فوضى عارمة الكل يضرب الكل حتى بلغت الضربات المدن الأوروبية مما جعل أصبع الاتهام حائرة من هو المساند ومن هو المستهدف.
هذه الخلطة العجيبة من الفوضى حدثت داخل مطبخ وفشل (الشيف) في إخبارنا عما يعد، والطبخة اختلف طعمها ولونها وغاب زمن نضجها ولأن العالم العربي تحديدا من يتلقى الضربات الموجعة من هذه الجماعات من المفترض أن لا يكون موقف دوله مبنيا على ردة الفعل كما حدث من قبل الأردن ومصر بمعنى أن تنتظر كل دولة أي حادث يصيب مواطنيها فيكون ردة فعلها القيام بحملات جوية لضرب مواقع داعش.. فمعطيات الواقع ظهرت بأن كل الأنظمة العربية مستهدفة من هذه الجماعات الإرهابية لهذا وجوبا أن تفعل الدول العربية بند الدفاع العربي المشترك وإذ لم يفعل هذا البند في مثل هذا الزمن فسوف تتساقط الدول العربية وسوف تجد كل دولة تحارب الإرهاب منفردة.
أخيرا إرهاب الحركات الإسلامية يتمدد بسبب انكماش القوى الفكرية المتعددة في كل مجال وترك الساحة العربية مجتمعة للأفكار الدينية المغلوطة في تسيير الحياة والتي حولت البعض إلى مشروع أمنية أن يكون قنبلة منفجرة أو حزاما ناسفا.
المصدر: عكاظ
http://www.okaz.com.sa/new/mobile/20150217/Con20150217753679.htm