رزان خليفة المبارك
رزان خليفة المبارك
الأمين عام لهيئة البيئة - أبوظبي

ندرة المياه الجوفية: قرع أجراس الخطر!

آراء

مع زيادة الكثافة السكانية في العالم وزيادة الصناعات والزراعات وتنوعها أصبح استهلاك العالم للمياه يفوق ما تستطيع الأرض تعويضه، خصوصا في البلدان ذات الطبيعة الصحراوية حيث المياه الجوفية المستخدمة تعود لآلاف السنين منذ العصر الجليدي ولم يتم استبدالها بسبب شح الأمطار وجفاف الطبيعة. نحن في منطقة الخليج مياهنا العذبة غير متجددة واستهلاكنا للمياه من أعلى النسب في العالم! ولهذا كانت عبارة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي «المياه أهم من النفط بالنسبة للإمارات» إشارة جريئة وواضحة إلى أن الاقتصاد يقوم على النفط ويضع المياه على رأس أولوياته. وهذا ما بدأناه في إمارة أبوظبي منذ سنوات.

منذ 50 عاما مضت، كان الحصول على المياه الجوفية سهلا في بعض المناطق الإماراتية وفي الخليج؛ فالمياه كانت على عمق يتراوح ما بين نصف متر ومتر واحد تحت سطح الأرض. وكانت الآبار تُحفر يدويا. على مدى الخمسين عاما الماضية، استخدمنا هذه المياه في ري المحاصيل، والغابات، وكذلك في صناعة النفط. ولكن، بسبب بيئتنا القاحلة وما يترتب على ذلك من انخفاض معدل إعادة تغذية مستودعات المياه الجوفية بشكل كبير، نشهد الآن مؤشرات خطيرة على نضوب مستودعات المياه الجوفية. ففي المناطق الزراعية الأكثر كثافة، تنخفض مستويات المياه الجوفية بمعدل يصل إلى 5 أمتار كل عام، كما أن مستودعات المياه الجوفية أصبحت أكثر ملوحة مع استهلاكنا للمياه العذبة.

لحسن الحظ، لدينا في منطقة الخليج الموارد اللازمة لتحلية المياه واستخدامها في الشرب وأغراض النظافة العامة. ولكن، مواردنا من المياه الجوفية ضرورية للزراعة ولدعم نظامنا البيئي الذي تعتمد عليه قطاعات اقتصادية جديدة مثل السياحة، وجدير بالذكر هنا أن ندرة المياه مشكلة عالمية.

يصنف المنتدى الاقتصادي العالمي مسألة ندرة المياه على أنها إحدى المخاطر العالمية المهمة. وفي تقرير المخاطر العالمية، يرتب الخبراء المخاطر الخمسين الأعلى عالميا على أساس التأثير المتوقع وإمكانية الحدوث. وقد تم تصنيف «أزمة توافر المياه» على أنها الخطر الثاني من جهة التأثير المتوقع، والخطر الخامس من جهة إمكانية الحدوث. كما تم تصنيف «أزمة شح الغذاء» على أنها ثالث أكبر خطر من جهة التأثير المتوقع، الأمر الذي يعكس العلاقة الوثيقة بين المياه والأمن الغذائي.

غالبا ما ينظر إلى قضية المياه على أنها قضية بيئية، ولكن إدراج احتمال شح إمدادات المياه بشكل قوي في تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي، تحت فئة «المخاطر المجتمعية»، يعكس حقيقة أن ندرة المياه تتخطى مجال البيئة بكثير. وتُعرف المخاطر الاجتماعية في هذا التقرير على أنها «التوجهات وأوجه عدم اليقين في الديناميات السكانية، والاستقرار الاجتماعي، وبقاء الجنس البشري».

المخاطر العالمية في هذه الفئة تشكك في استقرار الحضارة الحديثة واستمرار رفاهية الشعوب. أعتقد أن هذا يلخص بشكل واضح أهمية المياه والعلاقة بين كل من الأمن المائي، والأمن الغذائي، والأمن الاقتصادي.

لقد قمنا في هيئة البيئة – أبوظبي بوضع الخطط التي من شأنها أن تساعد على تمديد العمر الافتراضي للمياه الجوفية، وذلك وفقا للرؤية البيئية 2030 لإمارة أبوظبي، التي تبرز فيها قضية المياه بشكل قوي. سيتطلب تحقيق هذه الرؤية منا العمل عن كثب مع شركائنا، خاصة في القطاع الزراعي، لتحديد أولويات أماكن تخصيص المياه، والكيفية التي يتم بها ذلك حتى يتم الاستفادة من كل قطرة مياه بطريقة فعالة. إننا ننظر إلى هذا الهدف على أنه نقطة انطلاق، وليس الحل النهائي.

إن تحقيق هذا الهدف سيساعد في إبطاء عملية استنزاف مياهنا الجوفية، ويتيح لنا الفرصة لتنفيذ الحلول اللازمة لتحقيق هدفنا النهائي، وهو ضمان الأمن المائي والغذائي لإمارة أبوظبي، وسلامتها البيئية، وتقاليدها الثقافية على المدى الطويل.

وتعتمد الهيئة على منهجية إدارة الطلب على المياه من خلال مبادرات عدة مثل زراعة المحاصيل في البيوت الزجاجية والزراعة المائية التي من شأنها زيادة إنتاج المحاصيل، وفي الوقت نفسه تقليل استهلاك المياه بنسبة تصل إلى 80 %. وقد حقق هذا المشروع زيادة المساحة المستخدمة للزراعة من دون تربة في دولة الإمارات خلال العام 2012 بنسبة 12 % لتصل المساحة الإجمالية إلى أكثر من 163 ألف متر مربع، ونريد الآن أن نزيد من وتيرة هذا التغيير. كما قمنا بمشروع مسح التربة في الدولة، مما أتاح لنا معرفة أماكن التربة الأفضل للزراعة، وسنربط هذه النتائج مع معرفتنا عن أماكن توافر المياه وذلك لتحسين ناتج المحاصيل مقابل كل قطرة مياه مستخدمة. أيضا، يعد تدوير مياه الصرف الصحي موردا مهما للمياه، ونعمل مع باقي الجهات الحكومية لإعادة النظر في هذا المصدر للمياه لضمان تخصيصه للأولويات الأعلى.

هذه الإجراءات وغيرها التي نتخذها، ستساعد على تقدمنا في الاتجاه الصحيح. ولكننا نعلم أنها ليست كافية، خاصة أن عدد السكان في الدولة، وعلى مستوى العالم، في تزايد مستمر، كما يزداد الطلب على المياه والغذاء. فنحن بحاجة إلى المزيد من الحلول الذكية والمبادرات الخلاقة لتساعدنا على إدارة الطلب على المياه بطريقة فعّالة.

في النهاية، علينا أن ندرك أن الحلول التقنية لمشكلة استدامة المياه، يمكن أن تحقق لنا إنجازا محدودا، ولكن ترتيب الأولويات فيما يتعلق بالبيئة وقضايا المياه على المستوى المحلي والقومي والعالمي لها أبعاد وتحديات اجتماعية، وسياسية، وتحديات في مجال الحوكمة.

إن مسؤولية إيجاد الحلول اللازمة لمشكلة مياهنا الجوفية والحد من الإسراف وترشيد استهلاكها ليست على عاتق الحكومة وحدها، بل يشاركها في ذلك مؤسسات المجتمع المدني. إلا أن وعي حكومات المنطقة لهذه المشكلة وسن القوانين واللوائح التنظيمية لمواجهتها يعد الخطوة الأولى في الاتجاه الصحيح. نحن ندين بهذا لأجيالنا المقبلة.

المصدر: صحيفة الشرق الأوسط