كاتب سعودي
أعرف أن هناك من سيقول إن الحديث عن هذا الموضوع هو تضخيم متعمد لأمر بسيط وثانوي، ومتأكد أن هناك من سيجزم أنه موقف مطلق ضد الاحتساب، ومتيقن أن هناك من سيدعي أنها محاولة للتحريض والتأليب على المجتهدين الذين يسعون إلى تطبيق الشريعة، ولكن لأني متيقن أن كل ما سبق غير صحيح، وأن القضية لها أبعاد ودلالات في غاية الخطورة، سأتحدث عن «شباب الهمة» الذين تسيدوا أخبار اليومين الماضيين.
حين نربط الحلقات ببعضها، ونضع الأحداث في سياقها الموضوعي مع الانتباه للتطور النوعي الذي تتصف به مع الوقت، ويتناغم مع التحولات والأحداث المتتابعة، وحين نفحص جيدا طبيعة الفكرة الرئيسية التي تتمحور حولها، وتتعالق وتنسجم معها أفكار أخرى فإن القضية لا بد أن تدخل حيز الأهمية القصوى التي تستوجب التنبيه والتحذير والمطالبة بإشعال الضوء الأحمر كما في حالات الخطر.
مرحلة الصحوة كان هدفها الرئيسي خلخلة الثوابت السائدة في المجتمع دينيا لإنتاج مجتمع جديد منقلب على نفسه بمفاهيم جديدة. هي مرحلة خلق الاستعداد للاعتراض، وتجهيز كوادر للمراحل القادمة مستعدة للتنفيذ بشكل تلقائي. وفي مرحلة تسيد فكر القاعدة، وبدء تنفيذ برنامجها الإرهابي العملي كانت النماذج التي أفرزتها المرحلة السابقة جاهزة للقيام بالمهمة لأن المرحلة الجديدة تمثل امتدادا طبيعيا للمرحلة السابقة. كانت مرحلة فحص المنتج الذي أثبت جدارته بامتياز. انحسر وهج القاعدة بفعل الحصار الأمني والضربات الموجعة لكن فكرها بقي كامنا ومستعدا للتطور والتحور مع متطلبات أي مرحلة قادمة. وها هي أحداث وظروف الربيع العربي تدشن لنا منتجا جديدا يتمثل في تنظيمات أبرزها داعش، وهو التنظيم الذي تسنى له أن يمارس بروفات الحكم، وإدارة المجتمع وفق إيديولوجيته. أي أن فكرة تجربة الدولة البديلة لاحت لها الفرصة، فلماذا لا يتم تصديرها بسرعة طالما الكوادر جاهزة.
وللأسف الشديد فقد توفرت لدينا كل الخمائر اللازمة لإنتاج عينة تجريبية داعشية. المتشددون دينيا لمجرد التشدد، والمؤدلجون والتنظيميون والحزبيون وعدد هائل من الكومبارس المغيب عقليا. ولأنه تم التساهل مع كل هؤلاء لفترة طويلة فما الذي يمنعهم من تجربة أي إصدار جديد لفكرة العنف الديني كتنظيم داعش بإطلاق نسخة تجريبية على شاكلة شباب الهمة الذين يريدون ممارسة دور المطبق للشريعة لأنهم يتوهمون أن الدولة لا تطبقها وبالتالي فلا شرعية للدولة، وهم مشروع الدولة البديلة، فماذا ننتظر بعد هذه الإرهاصات؟
المصدر: عكاظ