القاهرة – محمد علاء الدين
يُعتبر عازف العود العراقي نصير شمة من الفنانين المهتمين بالبحث في موسيقى الأجداد وإحياء التراث العربي القديم، وعمل من بداياته على تطوير تقنيات العزف، والتفرد بألحان تعبّر عن واقع شعبه ومشاكله. أسس «بيت العود العربي» في القاهرة، في خطوة لنشر ثقافة هذه الآلة العربية، وعمل على فتح فروع للبيت في دول عربية وأوروبية.
شمة من أبرز الموسيقيين في جيله على المستويين الفني والإنساني، فآلته التي يحتضنها يرى فيها وسيلة للتعبير عن مشاعر الإنسان، وأداة لمشاركة الناس مشاكلهم، فرسالة الفنان تعني عنده الاطلاع على معاناة الآخرين وليس فقط العزف في المسارح.
كُرّم أخيراً في معهد العالم العربي في باريس بعد اختيار أسطوانته «عود من بغداد» ضمن 100 أفضل أسطوانة عالمياً، واختتم «مهرجان العود» في المعهد بعزف مقطوعات جديدة من أحدث أعماله «باريس»، وهي أسطوانة سينتجها له المعهد أيضاً.
يقول شمة لـ «الحياة»: «بعد اختيار أسطوانتي ضمن 100 أفضل أسطوانة عالمياً، اتفق معي معهد العالم العربي في باريس على إنتاج أسطوانة جديدة، وتقرر تسجيل العمل في الاستديو لطبعه وتوزيعه قريباً».
ويضيف: «نتجت مقطوعات الأسطوانة من المعاناة التي يعيشها المواطن العربي في ظل الثورات، فتأتي مقطوعة «وادي النيل» لتعبر عن الأحداث الأخيرة في مصر، إضافة إلى أعمال إنسانية ورومانسية متعددة كـ «باريس» و «لمسة القمر».
وفيما يعتبر بعضهم أن موسيقى شمة هي للنخبة فقط، يقول: «النخبة شيء مشرف يعني لي مخاطبة العقول المثقفة المستنيرة، لكنني سعيت طوال عمري لأن أكون قريباً من الناس. وما يؤكد كلامي الجمهور الكثيف الذي يلتف حول آلة العود، ويملأ الحفلات التي أقدمها أكثر من حفلات العود التي كانت تقدم من قبل».
ويرفض زعم بعضهم أنه يقلّد الموسيقي الراحل فريد الأطرش، مؤكداً أنه حاول تقديم تجربة فنية جديدة ممزوجة بالعمق ومستندة إلى إرث الموسيقى العربية، لكنه لا ينكر تأثره بمن يعتبرهم أساتذة له ومنهم الشريف محيي الدين حيدر في العراق مؤسس مدرسة العود الحديثة، وجميل ومنير بشير، رياض السنباطي، محمد القصبجي، فريد غصن…
وفي شأن الجدل الذي أثير حول اختيار الفنان الشعبي مصطفى كامل نقيباً للموسيقيين في مصر خلفاً للفنان إيمان البحر درويش، يعلق شمّة: «لا أدري تفاصيل وصول كامل، أو برنامجه الذي انتُخب على أساسه، لكنني لا أفرق بين شعبي ورومانسي في نقابة لها دور خدماتي».
وأبدى استياءه من الحال التي وصل إليها الفن في مصر والعالم العربي عقب ما يسمى ثورات الربيع العربي، معتبراً أن «الفن ضرب في مقتل حقيقي» بعد توقف المسارح والاستديوات وما يترتب على ذلك من خطر يهدد الحياة الثقافية، داعياً الموسيقيين إلى أن يقدموا أفضل ما لديهم في محاولة لاسترجاع دورهم، في مرحلة هي «الأسوأ في حياة العالم العربي، ودقيقة في تاريخه، نتيجة القسوة والجهل والتطـرف، وغياب الرؤية المستقبلية».
ودان القرارات الأخيرة لوزير الثقافة المصري علاء عبدالعزيز وإقالة أقطاب ثقافية في الوزارة، وتجاهله مطالب المعتصمين من الفنانين والمثقفين، قائلاً: «لا الوزير ولا غيره يستطيع إلغاء الفن خصوصاً في مصر حيث تجري الموسيقى في دم الشعب. ما حدث للأسف محاولة لاسترضاء المتشددين». وأردف: «اعتقد وزير الثقافة أنه قادر على ممارسة سلطاته لتنفيذ قراراته، لكنه اكتشف أنها مجرد سلطات على الورق، لذا دفع ثمن عناده أن حُرِم من دخول مكتبه في الوزارة. وهذا يؤكد دور المثقف وقوته في الوقوف أمام القرارات التعسفية. كان عليه أن يلتزم القانون وإذا كان لديه أدلة على تورط أشخاص في قضايا فساد، أن يتقدم إلى النائب العام وينتظر حتى يثبت ذلك، بدل إقالتهم بناء على اتهامات بالفساد لا تحمل أدلة».
وعما إذا كانت برامج المسابقات الغنائية تقدّم أي إضافة إلى الموسيقي العربية، يوضح: «برامج المسابقات كـ «آراب آيدول» و «أكس فاكتور» وغيرهما، شيء إيجابي، لكن مشكلتي أن الغاية منها أصبحت ربحية أكثر منها فنية إبداعية، عبر الإعلانات والتصويت والرسائل القصيرة، انتهاء بالعقود التي يوقعها الفائز ولا يجري الاهتمام بها. أنا مع دعم الشباب من أجل الغناء بطريقة متوازنة من دون استنزاف الأموال».
وتحدّث شمّة عن مشروع فني جديد سيظهر فيه أمام الكاميرا ممثلاً وكاتباً للسيناريو، عبر فيلم سينمائي يناقش قضية «قرارات الأمم المتحدة تجاه العراق عام 1991»، لافتاً إلى أن المشروع جاهز ومتوقف على جهة الإنتاج التي يبحث عنها بجدية لتنقله إلى حيّز التنفيذ.
المصدر: صحيفة الحياة