كاتبة سعودية
يبدو أن الفتاوى الناتجة عن التفكيرالجسدي، بعد أن انتهت من المرأة لتجعلها ضحية صراع التشدد، حولتها من إنسان كامل الأهلية ـ بما رسخه الإسلام العظيم من حقوق لها ـ إلى مجرد وعاء للتفريغ، ومتاع يُمتلك، وفتنة متحركة، كل ذنبها أن خلقها الرحمن أنثى، وعليها أن تدفع ضريبة ذلك من إنسانيتها، بما فُرض عليها من محرمات دون تهذيب الفحول، والحد من سعارهم!. والآن بعد الانتهاء منها يوجهون سهامهم بفتاواهم الشاذة للطفلات، إمعانا في تشويه جمال وإنسانية الإسلام، إذ يأتينا داعية عبر أحد البرامج التلفزيونية ويقول: “متى ما كانت الطفلة مشتهاة، فيجب على الوالدين تغطية وجهها، وفرض الحجاب عليها!”. بصراحة شديدة شعرتُ بالاشمئزاز بعد سماع هذا الكلام؛ لأنه بكل بساطة يؤكد وجود المرضى، المهووسين بالأطفال. ولمواجهة ذلك تُغطى هؤلاء الطفلات، وكأننا نعطيهم كرتا أخضر ليشتهوا الصغيرات متى ما أرادوا!، ما دام هؤلاء الطفلات الفاتنات يفتنونهم دون غطاء!، ولهذا يُفرض عليهن الحجاب وغطاء الوجه، وإن كان عمرها أربع أو خمس سنوات!، وما هذا إلا جريمة ضد الطفولة بفرض ما لم يفرضه الله تعالى، دون أي مراعاة لبراءة هذه المرحلة، واختطافها من حاجتها للعب والفرح والترفيه والرعاية النفسية السوية التي تستحقها هذه المرحلة!.
لقد كنت وما أزال أحيانا أشاهد بألم وفجيعة في بعض الأماكن العامة، كالأسواق والمستشفيات طفلات صغيرات في السن برفقة أسرهن، بعضهن لا تتجاوز أعمارهن الخامسة والرابعة، وأخريات أكبر من ذلك بقليل، وأراهن متلحفات بعباءات صغيرة، وحجاب يغطي شعورهن، وكم أحزن أن تُسلب هكذا طفولة، وتُختطف من عالمها البريء بذنب أنهن إناث، لكن لم أتوقع يوما أن يصل تشدد بعض الآباء والأمهات إلى فرض النقاب على طفلات صغيرات، لم يبلغن ولم تكبر أجسادهن لتكون فتنة!، حتى زارتني مرة سيدة بدا عليها التشدد، وبصحبتها طفلتها التي فاجأتني أنها ترتدي النقاب والعباءة من فوق الرأس، رغم ضآلة جسدها الصغير وقصر قامتها، وبدت لي في عمر سبعة أو ثمانية أعوام، وكم آلمني جدا أن أنظر لعينيها من خلف النقاب وهي تنظر لتحفة “ميكي ماوس” الموجودة على مكتبي، ورغبتها الشديدة في اللعب بها، لولا نظرة والدتها التي أخافتها، فهذه التحف بالنسبة لها من المحرمات!.
إن اختطاف الطفولة من براءتها ورميها في براثن التشدد بهكذا فتاوى غريبة، وبفرض الحجاب والنقاب، وحرمانها من اللعب، هي جناية وجريمة ضد حقوق الإنسان، يجب أن يعاقب عليها من يرتكبها وإن كانوا الآباء، فليس ذنب هؤلاء الطفلات أنهن إناث، لتتم معاقبتهن باختطافهن من براءتهن، ولن تحميهن إلا فرض قوانين صارمة، تمنع التحرش بالأطفال والنساء وتعاقب عليه بشدة، وقوانين تحمي حقوقها في اللعب والصحة والنمو السوي!. فمتى يكون ذلك؟ متى يكون ذلك؟، هذا هو السؤال الذي يبقى استمراره إلى اليوم فجيعة بحذ ذاتها!.
المصدر: الوطن أون لاين