كاتب سعودي ويشغل حالياً منصب مدير قناة "العرب" الإخبارية
لكل منا قصة أو أكثر مع سائق تاكسي، من أظرفهم، بل أغربهم، ذلك السائق الذي حملني يوماً إلى مطار نيوارك، وليس نيويورك، إنما هي مدينة صغيرة مجاورة لها وتبعد عنها بحوالي ثلث ساعة وبها مطار يشارك المطارين الكبيرين اللذين يخدمان«عاصمة العالم»، ولا بد أن أحدهم خلط بينهما فتوجه إلى مطار هذه بينما يقصد تلك.
سائقي مثل غيره من سائقي التاكسي، حاول فتح حديث معي، ولكنه اختار موضوعاً استثنائياً، هو «نهاية العالم»، تذكرت لحظتها أن غداً هو اليوم المحدد الذي قرر قس أمريكي أنه نهاية العالم، بل حدد الساعة وهي السادسة مساءً، حينها سيصعد الأخيار، الذين هم بالطبع من أتباعه إلى السماء بينما سيذهب بقيتنا إلى الجحيم.
كان ذلك في صيف 2008، وقد اهتم الإعلام بالخبر من باب «الطرافة» فأخبار نهاية العالم مثيرة لأتباع كل الأديان، يكفي أن تؤلف كتاباً عنوانه «نهاية العالم» وسوف تجد من يشتريه، فعل ذلك أكثر من داعية عندنا وكسب مالاً وفيراً.
القس الأمريكي أيضاً كسب مالاً، إذ نصح أتباعه ببيع ممتلكاتهم وتحويلها إليه، ولا أذكر تبريره، فإذا كان العالم سينتهي، فلم كنز المال؟
في الطريق إلى المطار توقف السائق، ليملأ سيارته بنزيناً، لاحظت أنه ملأ الخزان بعشرة دولارات فقط، سألته لم فعل ذلك؟ فرد متعجباً « ألم أخبرك قبل قليل أن غداً قد يكون نهاية العالم!» رددت بإيماءة وكأنني مقر بجهلي وقلة إيماني ثم سألته، «ولكن ماذا ستفعل بالمال الذي وفرته، وغداً نهاية العالم؟» رد عليّ « وماذا أفعل بجالونات بنزين لن يستخدمها أحد في خزان السيارة؟».
تظاهرت أني اقتنعت، واخترت السلامة والصمت والمضي إلى المطار للحاق بطائرتي التي ستحملني إلى مطار هيثرو بلندن ومنها للوطن، فربما لو استمررت معه بالحديث لأقنعني، أنه من الأفضل أن أسافر لواشنطن حيث تقيم زوجتي وابنتي اللتان تدرسان هناك، فأمضي آخر ساعات العمر معهما.
مئات اقتنعوا بقول القس الذي اعترف لاحقا أنه أخطأ في حساباته، ولكنه لم يُعِد لأتباعه المال الذي تبرعوا به، ربما لو رفعوا عليه قضية لخسروها فالقانون لا يحمي المغفلين. ولكن، لماذا هناك دوماً «مغفلون» مستعدون للاقتناع بمزاعم نهاية العالم؟
نحن المسلمين نؤمن أن «الساعة آتية لا ريب فيها»، ولكن من ذا الذي يستطيع أن يحدد لها موعداً!
ثمة موعد آخر لنهاية العالم، إنها بعد أيام ، فوفق تقويم «المايا» وهي حضارة هندية ازدهرت في أمريكا الجنوبية، واندثرت، فإن ذلك اليوم سيشهد بداية اضطرابات مناخية وزلازل وبراكين تستمر حتى فبراير من العام المقبل، الخبر الجيد أن قليلين منا سينجون ويبقون على وجه الأرض لتأسيس حضارة جديدة.
لا أنصحكم بفعل شيء، فهو زعم كاذب كغيره، ولكن أنصحكم بمشاهدة الفيلم الذي سيسجل الحدث المؤلم.
المصدر: مجلة روتانا