شهدت أبوظبي يوم الخميس الموافق 10 أكتوبر، ندوة بعنوان: “الهوية الوطنية.. الأدوار والتحديات”، والتي تعود أهميتها إلى أن الهوية الوطنية، تأتي دائماً في سُلم أولويات صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله لدورها الكبير في الحفاظ على التماسك المجتمعي، ومواصلة الإنجاز والابتكار، الذي اعتمدته دولة الإمارات العربية المتحدة، كالتزام مستدام منذ نشأتها.
وألقى معالي الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان، وزير التسامح والتعايش، رئيس مجلس إدارة “صندوق الوطن”، كلمة مهمة في مستهل الجلسة الافتتاحية للندوة، أشاد فيها بالجهود المشتركة لتحالف مراكز الفكر والثقافة العربية، ومكتب معالي الأستاذ الدكتور جمال سند السويدي، نائب رئيس مجلس أمناء مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، وصحيفة “الأيام”، لتنظيم هذا الحدث المهم.
وقال معاليه، إن: “الهوية الوطنية ثروة قومية يجب المحافظة عليها ورعايتها على الدوام، لأهميتها في الحفاظ على الذات، وتشكيل الوعي والوجدان لدى الشعوب”، مضيفاً أن صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، يؤكد دائماً أن الحفاظ على المسيرة والنجاح، يبدأ بالاعتزاز بالهوية الوطنية، بما تتضمنه من قيم ومبادئ راسخة وأصيلة.
ودعا معالي الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان، إلى تعزيز الهوية الوطنية، لمواجهة التحديات الراهنة، والتكيف مع المتغيرات العالمية، مشدداً على ضرورة الاعتزاز بالهوية الوطنية الإماراتية، لاشتمالها على مجموعة من القيم والمبادئ الإنسانية المهمة، في مقدمتها: الكرم، والعطاء، والنزاهة، والصدق، والمسؤولية، والشجاعة، والوفاء، والتسامح، والأخوة الإنسانية، بالإضافة إلى العمل والإنتاج.
وشدّد معاليه على ضرورة أن يكون الهدف الأسمى للندوة، هو تأكيد دور الإنسان العربي في الحفاظ على هويته، ودعم قدراته، على المشاركة في مسيرة وطنه وأمته، في ظلّ عالمٍ متغير يموج بالأفكار والمعتقدات، ويتّسم بنمو كبير في المعارف والتقنيات، وتدفق متواصل للمعلومات، وعلاقات متغيرة بين الحضارات والثقافات.
من جانبه، قدم سعادة الأستاذ عيسى الشايجي، نائب رئيس مجلس إدارة مؤسسة الأيام للنشر، رئيس تحرير صحيفة الأيام، رئيس الاتحاد الأمين العام لاتحاد الصحفيين الخليجيين، في كلمته الشكر والتقدير إلى معالي الأستاذ الدكتور جمال سند السويدي، نائب رئيس مجلس أمناء مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، رئيس مجلس أمناء تحالف مراكز الفكر والثقافة العربية، على تبنيه استضافة النسخة الثانية عشرة من منتدى تحالف مراكز الفكر والثقافة العربية.
وقال الشايجي، إن الهوية الوطنية تُعد من أعمق المفاهيم المعاصرة، وأكثرها تجسيداً لشخصياتنا العربية، التي تؤطر جهود أوطاننا وشعوبها، وتخلّد المكتسبات الحضارية في سبيل رفعة مستقبل هذه المنطقة، مشيراً إلى أنها: “الحصن المنيع الذي يشكّل مقومات الولاء والانتماء الروحي والمادي، للأرض التي نحيا ونتعايش من خيراتها”.
وأكد الشايجي أن آلة العولمة، سعت إلى خلق وازع ثقافي واجتماعي جديد، عبر إعادة صياغة وبرمجة فهم التنشئة العامة للحياة والواقع، من خلال تنميط الفكر وتوجيه الخطاب الإعلامي والثقافي، ليكون أداة تذويب الهوية الوطنية في هويات سائلة وعابرة.
وفي كلمته، قدم سعادة السيد نبيل بن يعقوب الحمر مستشار جلالة ملك البحرين لشؤون الإعلام، الشكر للدكتور جمال السويدي، على دعوته له للمشاركة في هذه الندوة المهمة، قائلاً: إن الرؤية الوطنية لصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان وأخيه صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، حفظهما الله، ترتكز على تحقيق المواطنة الخليجية وترسيخ الهوية الوطنية لبلدينا ولبلدان دول مجلس التعاون والبلدان العربية كافة.
وأضاف أن الهوية الوطنية تمثل مجموعة من القيم والمعتقدات والعادات، التي تميز أمة عن غيرها، مؤكداً أنها عنصر أساسي في تشكيل مجتمع قوي ومتماسك وآمن ومستقر، لافتاً إلى أن الدول والأمم يكون لتصوراتها دور أكبر كلما كانت كبيرة وقوية.
وأكد على أهمية الثقافة في تشكيل وترسيخ الهوية الوطنية، حيث تعد الثقافة أحد العناصر الأساسية التي تُشكِّل الهوية الوطنية لأي مجتمع، مشيراً إلى أن الثقافة تعكس تاريخ الأمة، وقيمها، وتقاليدها، مما يسهم في تعزيز الانتماء والولاء لدى الأفراد، لافتاً إلى أن أهمية الثقافة تزداد في عصر العولمة، وتساعد على مواجهة التأثيرات الخارجية، وتُعزز من قدرة المجتمع على التكيّف مع المتغيرات العالمية دون فقدان هويته.
وأشار سعادة السيد نبيل بن يعقوب الحمر، إلى أن الثقافة الوطنية تواجه اليوم مجموعة من التحديات التي تؤثر على هويتها واستمراريتها، أبرزها العولمة التي تؤدي إلى انتشار ثقافات متعددة، مما قد يهدد الثقافات الوطنية، موضحاً أن مواجهة هذه التحديات تتطلب جهوداً متكاملة من الحكومة والمجتمع المدني للحفاظ على الثقافة الوطنية، مشيراً إلى أهمية تعزيز الوعي بين الشباب من جميع الفئات.
شهدت الندوة جلسة افتتاحية، وثلاث جلسات رئيسية، ناقشت الجلسة الأولى: أهمية التاريخ والتراث في تشكيل وتعزيز الهوية الوطنية، وترأسها الدكتور محمد بن مبارك العِريمي، كاتب وإعلامي رئيس جمعية الصحفيين العُمانية، وشارك فيها معالي حسين هزَّاع المجالي، عضو مجلس الأعيان الأردني، وزير الداخلية السابق، حيث تحدّث عن دور التاريخ في بناء الهوية، فيما تحدث الأستاذ الدكتور محمد بن هويدن، أستاذ العلوم السياسية بجامعة الإمارات العربية المتحدة، عن تأثير التراث على الهوية الوطنية. وأكمل الأستاذ سامي عبداللطيف النصف، الكاتب والمحلل وزير الإعلام الكويتي السابق، النقاش بإضاءات حول كيفية إسهام التراث في تعزيز الهوية الوطنية.
وتناولت الجلسة الثانية: دور التربية والتعليم في ترسيخ مفاهيم الهوية الوطنية، وأدارها الاستاذ راشد نبيل الحُمر، عضو مجلس إدارة مؤسسة الأيام للنشر، ورئيس تحرير صحيفة الأيام الإلكترونية، وتحدث في الجلسة، سعادة الأستاذ أسامة هيكل، وزير إعلام جمهورية مصر العربية السابق، عن تأثير التعليم على الهوية الوطنية. واستعرض سعادة الدكتور علي بن محمد الرُميحي، رئيس لجنة الشؤون الخارجية والدفاع والأمن الوطني بمجلس الشورى في البحرين، وزير الإعلام السابق، كيفية تعزيز الهوية من خلال السياسات التعليمية، وقدمت الدكتورة سعيدة بنت خاطر الفارسي، نائبة عميد شؤون الطلاب بجامعة السلطان قابوس، عضو مجلس الدولة سابقاً، رؤى وتصورات حول تطوير المناهج التعليمية لتعزيز الهوية الوطنية.
وأدار الجلسة الثالثة الاستاذ محمد يوسف خلفان، عضو منتدى الفكر والثقافة وعضو مجلس إدارة جمعية وطني البحرين، والتي ركّزت على التحديات التي تفرضها العولمة الإعلامية على الثقافة والقيم الوطنية، وشارك فيها الأستاذ الدكتور صالح عبدالرحمن المانع، أستاذ العلوم السياسية وعميد كلية الحقوق والعلوم السياسية بجامعة الملك سعود سابقاً، الذي ناقش تأثير العولمة على الهويات الثقافية.
كما تحدث الأستاذ محمد توفيق ملين، مدير عام المعهد الملكي للدراسات الاستراتيجية في المملكة المغربية، عن كيفية التعامل مع التأثيرات الثقافية العالمية، وتناول سعادة الأستاذ كامل العبد الجليل، الأمين العام للمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب سابقاً في دولة الكويت، استراتيجيات حماية الهوية الوطنية في ظل العولمة.
واختتم الأستاذ فواز أحمد سليمان، عضو مجلس الأمناء، الأمين العام لتحالف مراكز الفكر والثقافة العربية، رئيس مجلس إدارة جمعية وطني البحرين، ملقياً البيان الختامي والتوصيات التي جاءت لتعزيز الهوية الوطنية، والتي تمثل قوة راسخة لمجتمعاتنا ومستقبل أجيالنا وترسيخها في وجدان الشعوب العربية.
وأضاف أن المشاركين ثمنوا المبادرة التي أطلقها رئيس مجلس أمناء تحالف مراكز الفكر والثقافة العربية للإعلان عن إنشاء “جائزة خالد بن خليفة آل خليفة للفكر والثقافة العربية” اعتزازاً بذكراه وتشجيعاً لجهود البحث العلمي العربي.
وأكد البيان على أهمية اعتبار الهوية الوطنية ثروة قومية، مشيراً إلى ضرورة الحفاظ عليها، عبر تمكين الإنسان والارتقاء بالمكتسبات، والاعتزاز بالقيم المشتركة، وذلك لكونها من ضرورات التنمية المستدامة.
واشتمل البيان على مجموعة من التوصيات لتعزيز الهوية الوطنية، أبرزها، بناء استراتيجيات وطنية شاملة تعنى بالهوية الوطنية ومفاهيمها وترسيخها في جميع القطاعات، وإطلاق مشاريع لصناعة الخبر العالمي الموجه من خلال إنشاء مؤسسات إعلامية عربية عالمية قادرة على تشكيل وتوجيه الاتجاهات والرأي العام العربي، وجعل الهوية الوطنية ضمن أولويات صناعة السياسات العامة المحلية والعالمية، بالإضافة إلى توظيفها توظيفاً مؤثراً من خلال الدبلوماسية الثقافية والعامة والشعبية.
وتضمن البيان توصيات أخرى منها، ضرورة مراعاة تطوير تقنيات الرعاية والاهتمام بالهوية الوطنية المتوازنة البعيدة عن العنصرية والتمييز ضد الآخر، وتعزيز قدرات الهيئات العربية المعنية بتنظيم وتقنين وسائل الإعلام وملاءمتها مع العهد الرقمي والذكاء الاصطناعي، ومد وتحصين المواطنين العرب بالمعرفة كسلاح لمواجهة التضليل الإعلامي و”الاخبار الزائفة”، وتكثيف تنظيم الفعاليات على الصعيدين الوطني والعربي، وتشجيع البحث العلمي وتكثيف الإنتاج الفكري والمعرفي الخاص بالهوية الوطنية، بالإضافة إلى إنشاء اللجان في الدول العربية للحفاظ على الهوية الوطنية.