كاتب وأكاديمي سعودي
عالمة حاصلة على جائزة نوبل ستحاضر غداً لطلاب المرحلة الابتدائية ، هذه كانت فحوى تغريدة لإحدى أخواتنا المبتعثات في بريطانيا عبر حسابها الشخصي في تويتر قبل عدة أشهر وهي المدرسة التي يدرس فيها ابنها ، في الحقيقة أثارني الفضول لمعرفة فحوى هذه المحاضرة وكيف ياترى ستخاطب عالمة حاصلة على جائزة نوبل أطفالاً دون الثانية عشرة ، كيف تتنازل عالمة حاصلة على جائزة عالمية كي تحاضر في مدرسة ابتدائية ؟ من الجدير بالذكر أن العالمة طلبت من إدارة المدرسة بأن يناديها الطلبة باسمها مجردا دون ألقاب كشرط لقبول الدعوة !
فكرت “مع نفسي” كيف يا ترى سيكون شكل هذا اللقاء ؟ هل سيتم الاحتفاء بهذه العالمة بشكل يليق بمكانتها وسمعتها العلمية والعالمية؟ وهل سيتم تعليق صورتها مكبرة على جدران المدرسة وبوابتها و”شبابيكها” مقرونة بأبيات الشعر و عبارات الترحيب ” المسجوعة” ؟ ما مدى بلاغة وفصاحة الخطاب الترحيبي الذي سوف يلقيه مدير المدرسة وما كمية ” النفاق الاجتماعي” الذي سيتم “حشرها وحشوها” في ثنايا ذلك الخطاب ؟ ما حجم الوليمة و “الخرفان” التي ستذبح و ستتم دعوة أولياء الأمور والمشرفين والإداريين على مستوى المنطقة التعليمية و ربما المناطق المجاورة أيضاً وكل ذلك على شرف الضيفة العالمة ؟ وهل سيتم عرض أوبريت أو نشيد خاص بهذه المناسبة؟ و لعل الأهم من ذلك كله ما حجم وسعر الدرع التذكاري الذي سيُسلم للعالمة في نهاية المحاضرة وما حجم الابتسامات العريضة التي ” ستُشقق” شفاه الراغبين في التقاط صورة تذكارية معها ؟
فكرت ” مع نفسي ” مرة أخرى في حجم الاستعداد المبكر والمقنن “كمّاً وكيفاً” للأسئلة التي سوف يتم توجيهها للعالمة والتي سيكون مدارها حول سيرتها الذاتية بالتفصيل ، والخلطة السرية لنجاحها ووصف مشاعرها لحظة تلقيها خبر الفوز بجائزة نوبل ؟ وعدد ساعات النوم وساعات القراءة وساعات العمل التي تقضيها وماهي هواياتها المفضلة وقت الفراغ ؟ ولابد من سؤالها طبعاً عن أكثر موقف محرج وأكثر موقف مفرح تعرضت له في حياتها؟ وعن حالتها الاجتماعية و السؤال التقليدي : كيف استطاعت ” كإمرأة” !! أن توفق بين واجباتها الأسرية وحياتها العلمية والعملية ، تساءلت مع نفسي عن الطلبة الذين سيطرحون تلك الأسئلة على الضيفة و الذين ربما تم انتقاؤهم بعناية فائفة وإخضاعهم لتدريبات مكثفة مستمرة لضمان عدم التسبب في إحراج العالمة وحتى لا تُفسد زلة لسان طفل صغير جمالية مناسبة كبيرة !
يبدو أنني أرهقت نفسي بالأسئلة كثيراً وذهبت بخيالي بعيداً، ففي اليوم التالي عادت أختنا المبتعثة وغردت في أٌقل من 25 حرفاً بما نصه :
“تحدثت أمس عن العالمة الحاصلة ع جائزة نوبل و عن المحاضرة لطلاب ١٢ سنة، كانت المحاضرة عن تصنيع البروتين في الخلايا ومصير البروتين بعد التصنيع” !
قلت ” في نفسي ” يا خبر أبيض ! بروتين وخلايا وتصنيع ! لطلاب مرحلة ابتدائية ! أجل لو تحاضر على طلاب الجامعة وش بتقول ؟ تذكرت على الفور محاضرة توعوية ألقاها علينا طبيب عربي عن أضرار التدخين ونحن ندرس في الصف الأول المتوسط ، وبعد خروجنا من المحاضرة شاهدناه أنا وأصدقائي وهو يغادر بسيارته بينما ينفث دخان سيجارته في الهواء ، في الحقيقة كان ينفث أيضاً هباء توعيته ” الفشوش” !
خاص لـــ (الهتلان بوست)