أكدت معالي نورة الكعبي، وزيرة الثقافة والشباب، أن الصناعات الثقافية والإبداعية تدعم الاقتصاد، وأن الإمارات تنظر للدراسات والأجندة الثقافية المتكاملة وما ستحدده المؤشرات في الصناعات الثقافية، وكذلك العمل على التشريعات التي تحمي الملكية الفكرية، والمردود المتحقق من المواد السمعية والمرئية، وأن الاستراتيجية موجودة، ونعمل على المؤشرات، ونمتلك الكثير من الخدمات الفنية والإبداعية والمنتجات التي تسهم في تحقيق التنمية في الصناعات الثقافية والإبداعية.
جاء ذلك خلال جلسة حوارية عقدتها ندوة الثقافة والعلوم في دبي، بعنوان «مستقبل الصناعات الثقافية»، شاركت فيها معالي نورة الكعبي وزيرة الثقافة والشباب، ود. عبدالله الغذامي أستاذ النقد والنظرية في كلية الآداب جامعة الملك سعود بالرياض، والدكتور محمود الضبع أستاذ النقد الأدبي الحديث في جامعة قناة السويس بجمهورية مصر العربية، وبحضور بلال البدور رئيس مجلس إدارة الندوة، وعلي عبيد الهاملي نائب رئيس مجلس الإدارة، ود. سليمان موسى الجاسم، ود. رفيعة غباش، وأسماء صديق المطوع، ونخبة من المهتمين والإعلاميين.
وأدارت الجلسة عضو مجلس الإدارة الكاتبة عائشة سلطان، مؤكدة أن الصناعات الثقافية والإبداعية من أهم الموارد. وهي الأسرع نمواً في العالم حسب البلدان التي أخذت بهذه الصناعات، وأنها خيار إنمائي مستدام، وتساءلت: كيف يمكن توظيف هذا الاتجاه ضمن مناهج التربية والتعليم «تربية الإبداع»؟
أهمية الصناعات الثقافية
وأكدت معالي نورة الكعبي أن منهجية الصناعات الثقافية وفكرها موجود في كثيرٍ من الدول أخذاً بمبدأ تنوع الاقتصاد وعدم اعتماده على مورد واحد. وأضافت أن إدراك دولة الإمارات أهمية الصناعات الثقافية جاء خلال العامين الماضيين، ففي عام 2018 كانت هناك خلوة في وزارة الثقافة بحضور صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، وخلال هذه الخلوة وجه سموه بالتركيز على الاستدامة وكيف نخصص قطاعاً خاصاً للصناعات الثقافية والإبداعية في وزارة الثقافة، ويعتمد هذا القطاع على الفكر والابتكار والإنتاج والتوزيع والنشر والترويج وكل ما له صلة بالتعبير الإبداعي. وأشارت معاليها إلى أن الصناعات الثقافية والإبداعية تضم مجالات عدة، منها التراث الثقافي والطبيعي والكتب والصحافة وفنون الأداء والاحتفالات والإعلام المسموع والمرئي والفنون البصرية والتصميم والخدمات الإبداعية. وذكرت معالي وزيرة الثقافة والشباب أن استخدام مصطلح الاقتصاد الثقافي دلالة لتأثير الاقتصاد الإبداعي في المنظومة الاقتصادية، وقد استثمرت دولة الإمارات هذا المفهوم بشكل مكثف سواء في الحاضنات الثقافية أو المدن الإعلامية ومدن النشر أو المعارض وغيرها من فعاليات ثقافية سواء حكومية أو أهلية.
الاقتصاد الثقافي
وبالعودة إلى الخلوة الثقافية عام 2018 التي ذكر فيها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم أهمية الاقتصاد الثقافي والإبداعي، أطلق سموه مؤشر مساهمة الصناعات الإبداعية على الناتج المحلي لدولة الإمارات مما يسهم في قطاع الثقافة. ولذلك تعمل وزارة الثقافة في إطار لتمويل هذه الصناعات وإطلاق المنتجات الثقافية حسب توجيهات صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم.
وأضافت معاليها أن هناك قطاعاً للصناعات الثقافية بعد الدمج مع التشكيل الجديد، وتم تحديث هيكل لوزارة الثقافة والشباب، ومنها الإعلام الذي يختص بهذا المجال بعمل التسهيلات والتشريعات وطرق التمويل، ولكل هذا يجب أن نتكاتف لمعرفة التأثير والدور المنوط بنا، وأن الإبداع الثقافي لا يحدد بنسبة معينة ولكن يجب أن يتزايد بشكل دائم.
وأكدت معاليها أنه يجب أن تكون هناك استراتيجية واضحة لتساعد الوزارة والقطاع الاقتصادي والثقافي ليعرف المثقف والمبدع إلى أين تصل بنا الاستراتيجية، إلى جانب وجود بيئة تشريعية مدعومة بمحفزات وبرامج تمويلية، وألا يكون التمويل حكومياً فقط ولكن بمشاركة الأشخاص والقطاع الخاص، لتأسيس مزيد من الحاضنات الإبداعية التي تساعد على تطوير القطاع الإبداعي وتشجيع العمل المؤسسي من خلال الشراكة القوية بين وزارة الثقافة والشباب ووزارة الاقتصاد، وهذا الاقتصاد سيسهم في توفير فرص عمل تساهم في الناتج الثقافي والمحلي في الوقت نفسه.
خلال الجلسة الحوارية (من المصدر)
خلال الجلسة الحوارية (من المصدر)
تسعة عناصر بـ«اليونسكو»
وأشارت معاليها إلى أن الإمارات سجلت تسعة عناصر تراثية في «اليونسكو» (الصقارة والسدو والتغرودة والعيالة والعازي والقهوة العربية والنخلة والرزفة والمجالس)، وبالنسبة للخط العربي تقود المملكة العربية السعودية ملف الخط العربي مع «اليونسكو»، والإمارات والسعودية صوت واحد للهوية والثقافة العربية، والتسجيل في «اليونسكو» يؤكد الهوية ويحدد الملكية الفكرية للعنصر المسجل. وأكدت أن دولة الإمارات دائماً ما تنظر للإحصاءات والتنافسية، فالصناعات الثقافية والإبداعية تدعم الاقتصاد والإمارات تنظر للدراسات والأجندة الثقافية المتكاملة وما ستحدده المؤشرات في الصناعات الثقافية من موظفين ومواد ثقافية مصدرة (فنون إبداعات..)، وكذلك العمل على التشريعات التي تحمي الملكية الفكرية، والمردود المتحقق من المواد السمعية والمرئية.
تشجيع الصناعات الإبداعية
وحول أهمية الصناعات الثقافية ذكر د. عبدالله الغذامي أن الواقع منذ بدء أزمنة الثقافة الأولى نجد أن الثقافة ارتبطت فعلياً مع الاقتصاد، فالإنسان منذ عهده الأول تعلم حيلاً ليعتاش وينتفع بها، صنع أشياء بسيطة ثم أخذ يتفنن فيها حتى يزيد استثماره. وحتى في العصر العباسي نجد الكثير من المؤلفين تم استكتابهم من قبل أمراء وممالك. وحتى في أوروبا، نجد أن شكسبير مثلاً كان يكتب مسرحياته ليسدد ديونه ويعيش، وحتى هوليوود التي استخدمت الصناعة واستثمرت الملاحم القديمة في العالم كله وجعلتها بضاعة وقيمة اقتصادية ضخمة.
وأشار إلى أن الوقت الحالي جاء بنوع من الرأسمالية المتعمقة في الثقافة، فقديماً كانت الأحداث تلقائياً، ولكن الآن هناك استراتيجيات بغرض تحقيق مردود قوي. وهذا هو الاقتصاد الثقافي وجذب المال إلى الفكر، وترويج العمل الأدبي الذي قد يكسد سوقه. وأكد أن وجود الدول شريكاً استراتيجياً مع المؤسسة الفكرية التي كانت مبعثرة ساعدها على الأخذ بالانتظام لتصبح جزءاً من اقتصادات الثقافة ومن رسم القيمة المعنوية لدولة من الدول. وأشار د. الغذامي إلى أن المملكة العربية السعودية مع رؤية 2030 تتجه للشباب لتسلك طريقها للمقدمة، بصنع محفزات غير تقليدية لتشجيع الصناعات الإبداعية، وذلك عبر وسائل التواصل الحديثة. فالمؤسسات الثقافية لو وصلت لإتاحة الفرصة للمبدع عبر التنافسية والمجانية للانفتاح وتحفيز الطاقات الإبداعية بعيداً عن الثقافة الموجهة أو المؤدلجة ستحقق الكثير من الإنجازات.
تربية الإبداع
وعن تربية الإبداع أشار د. محمود الضبع إلى أن مفهوم الصناعات الثقافية لم يصل بعد للمتلقي العربي باعتبار أنه حقل جديد على مستوى التنظير، فكل شعب لديه جملة من العناصر التراثية المكتسبة على مر العصور، وهذه العناصر تمارس على شكل حرفة أو صنعة أو مهنة، وسنجد في كل دولة ما يقارب ألف عنصر ممكن أن يدخل في الصناعات الثقافية، وهناك شروط أربعة لإدراج الحرفة أو الفن أو الممارسة الشعبية ضمن الصناعات الثقافية وهي: أن تكون له خصوصية ثقافية، ورمزية ثقافية تدل على هذا الشعب لا شعباً آخر، وأن تكون قابلة لإعادة الإنتاج في المفهوم المعاصر بمفهوم صناعة المحتوى، أي كلما كان العنصر قابلاً للإنتاج بالأشكال كافة كان هذا العنصر ضمن الصناعات الثقافية.
حماية التراث
ومن جانبه، أكد بلال البدور أهمية اتفاقية حماية التراث اللامادي وقد وقعت عليها الإمارات، ويعتبر تسجيل التراث حماية للتراث العالمي في كل دولة، وبالنسبة لفن الخط العربي خطوة جيدة لتقديمها لـ«اليونسكو» وللإمارات حق السبق في هذا المجال من خلال المعارض السنوية في أبوظبي والشارقة ودبي ومجلة «حروف عربية» المجلة المتخصصة في مجال الفن العربي.
وبالنسبة للصناعات الثقافية، أكد أن هناك الكثير من المنتجات ليست لها حماية، مثل فانوس رمضان المصري الأصل والذي أصبح يصنع في الصين، وكذلك الدلة الإماراتية، وهناك حاجة لكثير من الجهود لحماية الصناعات الثقافية.
مبادرة رائدة
وبدوره، تطرق علي عبيد الهاملي إلى أن الصناعة الثقافية ليست بمفهوم جديد، ولكن ربما كانت بحاجة إلى وضعها في إطار مؤسسي، وحول دعم المبدعين قدم التحية لمعالي الوزيرة نورة الكعبي، لأن دولة الإمارات أول من تنبهت لدعم مبدعيها وكانت مبادرة رائدة، لأن كثيراً من المبدعين تأثروا بالجائحة، وبادرت الوزارة بتخصيص صندوق دعم المبدعين.
وبالنسبة للخط العربي، ومن واقع رئاسته لتحرير مجلة «حروف عربية» التي تهتم بالخط والخطاطين العرب أشاد بدور السعودية في إدراج ملف الخط العربي في «اليونسكو» من خلال المملكة، لأن هناك محاولات عديدة لتغيير مسمى الخط العربي إلى الخط الإسلامي.
الجائحة ودعم المبدعين
وحول الجائحة وأزمة «كورونا»، أكدت معالي نورة الكعبي أن وزارة الثقافة والشباب ركزت على تقديم المساعدات لكثير من المتضررين في الأزمة من خلال استبيان شارك فيه أفراد وشركات، وبعد تحليل نتائج الاستبيان تم الوقوف على حجم الخسائر وأسماء الشركات المتضررة، وقامت الوزارة بعرض الموضوع على سمو الشيخ منصور بن زايد آل نهيان نائب رئيس مجلس الوزراء وزير شؤون الرئاسة، وبناءً عليه تم تخصيص الميزانية التي كانت مخصصة لفعاليات لم يتم تنظيمها بسبب الجائحة إلى برنامج وطني لدعم المبدعين، وبعد وضع معايير لاختيار الشركات المتضررة من خلال حجم الخسائر والتعثر المالي والجهود المبذولة خلال الجائحة وسجل أعمال الفرد أو الشركة خلال عام 2019، ومن هذه المعايير وعبر مرحلتين تم تقديم مساعدات بما يقارب 5 ملايين درهم استفاد منها أكثر من 140 مبدعاً، أفراداً وشركات، ومنحة الفرد 15 ألف درهم، والشركات تصل إلى 75 ألف درهم شهرياً، وذلك حرصاً على استدامة عمل هذه الشركات، والوزارة ستستمر في التواصل مع الشركات.
لقاءات وبرامج افتراضية
وقالت معالي وزيرة الثقافة والشباب إن من إيجابيات الجائحة أنها أتاحت الفرصة للقاءات افتراضية عدة مع كثير من وزراء الثقافة، وكان هناك تبادل في الدروس والجهود التي قاموا بها في دعم ومساعدة قطاع الصناعات الثقافية والإبداعية، ومن البلدان التي نتشابه معها في الدعم كوريا الجنوبية التي لها نشاط قوي في هذا المجال. وكذلك في كولومبيا، وتختص بتعريف الصناعة الإبداعية والثقافية. وهذه اللقاءات أتاحت فرصة استخدام استبيان دولة الإمارات لدعم المبدعين في كثير من الدول لمساعدة مبدعيها. وكذلك قامت الوزارة بالكثير من الأنشطة والفعاليات الثقافية عبر البرامج الافتراضية، فلم نتوقف عن العمل.
المصدر: الاتحاد