كانت جدتي تدهن بخل التفاح وزيت الزيتون كخليط تجميلي نفيس نقلته من جيل لجيل، وكانت تعتقد أن الفازلين هو الحل السحري، حتى لو جاءت لها جارة تشكو من الكآبة، فكانت تقدم هذا الدواء السحري مع جملة «هذا دواك.. وع الله شفاك»، ياما قامت بـ«سدحي» حين تشكو لها أمي من تكرار التهاب الحلق، فكانت «تمرغني» بكل ما أوتيت من فازلين، أو كما كانت تسميه «وزارين»، ولا تترك فيه مفصلاً ولا رباطاً إلا و«مرغته» بالفازلين.
حين أطالع كثافة وجنون المنتجات التجميلية، أدرك أنها لم تترك خلية بالجسد إلا وركبت لها كريماً أو تركيبة خاصة، ولا شعرة إلا وأوسعتها حلولاً، ولا رمشاً معقوصاً ولا مفروداً إلا وركبت عليه مليون حكاية و«سالفة»، ولم توفر الشركات الصينية والتايوانية، التي يبدو أنها ذكّرتني بفازلين جدتي وأنا أكتب هذه السطور، أي أمر طبيعي أو طارئ في وجهة المرأة الشرق آسيوية إلا وأوجدت له مصانع ومنتجات كثيرة، كان أكثرها غرابة لي لاصقات من لون الجلد، تلصق على الجفن العلوي، لتستحيل العيون الضيقة لعيون أقل ضيقاً في ثوان. وكلما شاهدت بهذه البلاد عيناً دعجاء، أعرف أن اللاصقة التوسيعية ساكنة في الجفن العلوي.
لكنه الطرد المركزي للبساطة الذي أحال العالم لكتلة من التفاصيل والتفاصيل والتفاصيل، من جعل «وزارين» جدتي صناعة تجميلية بائدة، وأتصور لو عاشت جدتي لزمن الفنانات حالياً، لَمَا قرأت خبراً عن فنانة ما تعاني من ألم أو حتى صداع أو مشاكل مع منتج ما إلا واقترحت لها الفازلين ترياقا. أتخيل لو كُتب لجدتي أن تشارك الفنان الماكيير بسام فتوح في صالونه التجميلي، لكانت تحمل «باليتا» من درجات الفازلين، ولقامت بكل ما أوتيت من قوة بـ«لوف» الفنانات به، حتى يسلمن بالفازلين طيلة العمر.
أصلاً لم أكن أنوي أن أكتب عن الفازلين، كنت أهم بالكتابة عن الفحش بالتجميل العربي، وكيف استحالت الكثير من الطارئات قطع «كاوشوك» من السيلكون، بلا روح جمال ولا نكهة، وكيف أنهن نسين في زحمة السُعار الفني أن لكل وجهة شيفرة سرية من صنع الخالق متى ما بددنها تبدد منهن الجمال!
في بلاد العالم الغربي – الناضج فنياً – عادة ما تولد النجمة وفنها وأسطوانتها وجماهيرها، وقد تلجأ بعدها لعملية تجميل محدودة، أما في بلادي «التجميل» أوطاني، يولد جراح التجميل والعملية التجميلية الشاسعة والفواتير التي يدفعها عادة رجل متحمس، وتولد النسخة تجميلية تسمى فنانة مجازاً، وبعد كل هذا تولد أغنية ممسوخة!
في العالم الغربي تأتي الأنثى بقليل من «الميك أب»، في عالمنا العربي يأتي كل «الميك أب» مع قليل من الأنوثة!