إعلامي وكاتب مصري
كثيرون في مصر تمنوا، لو أن الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح رئيس حزب «مصر القوية» لم يعتذر عن عدم الترشح في انتخابات الرئاسة المقبلة، لولا أنه قد لاذ بالفرار، عند لحظة المواجهة الحقيقية بينه، كمرشح إسلامي، وبين ناخبيه المفترضين!.
وليس غريبا، أن يطلق المصريون على الحزب، بعد اعتذار رئيسه، وربما قبله أيضا، اسم «مصر الطرية» بدلا من «مصر القوية».. فالمعنى المقصود من وراء التسمية واضح للغاية كما ترى، وفوق وضوحه، فإنه لاذع إلى أقصى حد، ويحمل أكثر من إيحاء!
وعندما برر الرجل، اعتذاره، ذكر أسبابا كثيرة، لم تكن مقنعة كلها، أو في أغلبها، لا لشيء، إلا لأنه لم يذكر بينها السبب الحقيقي، الذي دعاه إلى الهروب من المواجهة!
فالعقل يقول، إنه من المفترض أن تكون فرصته بين الناخبين كبيرة هذه المرة، إذا ما قورنت بفرصته في انتخابات 2012 التي فاز فيها محمد مرسي.. ففيها، كان ثلاثة مرشحين إسلاميين يتنافسون على أصوات الناخبين، بدءا من «مرسي» نفسه، ومرورا بـ«أبو الفتوح» وانتهاء بالدكتور العوا، الذي نال عددا ضئيلا للغاية من الأصوات، بما يدل على أنه كان يبالغ تماما في تصور شعبيته بين الناس، ويتوهم أشياء لا وجود لها!
وقتها، حل «أبو الفتوح» رابعا، بعد «مرسي» وشفيق، أو العكس، ثم صباحي فخرج من الجولة الأولى، ليصوت جزء لا بأس به، من مؤيديه، في الجولة الثانية، لمرشح الإخوان.
هذه المرة، ليس هناك «مرسي» ولا «العوا» ولا أي مرشح إخواني، أو حتى إسلامي، وبالتالي، فالفرصة متاحة جدا، أمام «أبو الفتوح» أو هكذا نفترض باعتبار أنه، عندها، سيكون مرشحا فريدا في لونه السياسي، إذا ما قورن بسائر المرشحين.. ومع ذلك، فإنه آثر الانسحاب، وقال كلاما كثيرا، في هذا الباب، معناه كله على بعضه، أن المنافسة لن تكون موضوعية.
والحقيقة التي يعرفها هو، ويعرفها غيره، ولكنه لم يذكرها، أنه ليس لهذا السبب انسحب، وأنه اتخذ قراره لأنه يعلم جيدا، أن تجربة المصريين في عمومهم مع الإخوان، خلال العام الذي حكموا فيه، تقول إن المزاج المصري العام، لم يعد فقط يرفض المرشح الإخواني، وإنما يرفض المرشح الإسلامي إجمالا.. ليس طبعا عن موقف من الإسلام، كدين، ولكن عن موقف من الذين ظلوا يتحدثون عن الدين 84 عاما، منذ نشأة الجماعة الإخوانية عام 1928، وعن أن «الإسلام هو الحل» وعن.. وعن.. فلما حكموا، كانوا أبعد الناس عن هذا كله، وأبعد الناس عن مبادئ الدين ذاته، وإلا، فماذا تقول بالله، في «جماعة» اتضح لنا، من خلال التجربة، أن أبرز صفة في المنتسبين إليها، وخصوصا قادتها ورموزها جميعا، هي مجافاة الحقيقة!.
وربما أكون في حاجة هنا، إلى أن أعيد تذكير مَنْ ينسى بيننا، بشيئين اثنين، أولهما أن الرسول عليه الصلاة والسلام قد قال في حديث له ما معناه، أن المؤمن، أو المسلم، يمكن أن يتصف بأي صفة سيئة، إلا أن يكون كذابا.. وثانيهما أن إثبات صفة من هذا النوع، على أي سياسي في الغرب، يكفي للقضاء ليس فقط على حاضره السياسي، وإنما على مستقبله بالدرجة ذاتها.
ولست في حاجة إلى أن أحصي المرات التي كان فيها «الإخوان» مجافين للحقيقة، منذ ما بعد 25 يناير 2011 مباشرة، إلى سقوطهم في 30 يونيو 2013، فما أكثر المرات التي كانوا فيها كذلك، من دون حياء، ومن دون مداراة، ولا خجل، لدرجة أنك كنت تكاد تظن، في بعض الأحيان، أنهم يكذبون – على حد تعبير الأستاذ جمال الغيطاني ذات مرة – قبل أن يتنفسوا على مدار الليل والنهار، وليس أبدا كما يتنفسون، وهو ما يقال عادة في تصوير الإسراف في الكذب، مع ما بين المعنيين من فارق هائل!.
نتحدث، إذن، عن الإخوان تحديدا، لأنهم هم الذين فازوا، في الانتخابات، وهم الذين حكموا، ثم إنهم هم الذين حادوا عن قول الصدق، وبالتالي، فإن أي مرشح إسلامي، غير إخواني، كان من المفترض أن يصب هذا في صالحه، في التجربة المقبلة، وأن يحصد إذا شاء، حصيلة إخفاق الجماعة.
وكان الدكتور أبو الفتوح، هو أشهر مرشح إسلامي، في هذا الإطار، بحكم أنه خاض تجربة 2012 على الأقل، لولا أنه فضل أن يختفي من السباق المقبل، ليس لأنه، كسباق رئاسي، غير موضوعي، كما قال هو، وإنما لسبب آخر تماما، حقيقي، ومهم، لم يشأ هو أن يظهره!.
هذا السبب، هو أنه قد تبين للمتابعين لحركة الرجل، ثم سلوكه، منذ سقوط الإخوان، أنه لا يختلف عنهم في شيء، وأنه مجرد وجه آخر لهم، وأنه عندما انشق عليهم، منذ سنوات قريبة، لم يفعل ذلك لأنه كان يرفض أفكارهم التي استهلكها الدهر، وإنما كان انشقاقا لأسباب مختلفة نعلمها جميعا، وليس هذا هو مجال الخوض فيها.
لهذا.. ولهذا وحده، انسحب، وليس لما قال، مفترضا أن مستمعيه بلا عقول، ولو بقي في المضمار، لكان قد رأى بعينه، حقيقة وزن أي مرشح إسلامي، الآن، بين الناخبين الذين عانوا كما لم يعانوا من قبل، من الإخوان، والإسلاميين، ولا يزالون.
المصدر: الشرق الأوسط