كاتب وإعلامي سعودي
في مجتمعنا ومنذ فترة ليست بالقصيرة كنا نقرأ ونسمع عن هرب الفتيات من منازل أسرهن لأسباب متعددة، منها الاجتماعي أو الاقتصادي أو الأخلاقي، كما يكتب عن تلك القصص المأسوية والإشكالية أننا نسمع طرفاً واحداً من قصص هرب تلك الفتيات وهو الجانب الرسمي أو من جانب أهالي الفتيات فقط، كنت أتمنى أن نشاهد يوماً مقابلة لإحدى تلك الفتيات على محطاتنا التلفزيونية أو في صحفنا المحلية تقول لنا ما هي الأسباب الحقيقة لتكرر تلك الحالات وما لا نعرفه عن الأسباب الحقيقة لقضايا هربهن، ولكن قضية هرب الفتيات في الداخل مستمرة من دون حل حقيقي من المؤسسات الاجتماعية لدينا للأسف.
في حالات نادرة كانت هناك حالات هرب لنساء سعوديات إلى الخارج، وكانت الأسباب معروفة وهو الانضمام إلي تيارات تكفيرية وجهادية في دول مجاورة تشهد صراعات عسكرية كما في اليمن وسورية، وتلك النسوة لم يفاجئن المجتمع وذويهن بالانضمام إلى تلك التنظيمات الإرهابية، لأنها حالة تعيشها مجتمعات أخرى، على رغم أن البعض لدينا يدعي خصوصية المجتمع وخصوصاً مسألة المرأة السعودية، ولكن الواقع هو ما يكشف ادعاء أصحاب نظرية الخصوصية.
في الآونة الأخيرة بدأنا نتابع قضايا هرب فتيات سعوديات إلي دول أجنبية عندما تحين الفرصة لهن، وخصوصاً في فترة الإجازة الصيفية، ويكن مع ذويهن في إجازات خارج المملكة، ومثل هذه الحوادث حتى لو كانت قليلة جداً في الفترة الحالية، إلا أنها تعطي دلالات سلبية علي أسر تلك الفتيات الهاربات وللمجتمع والدولة بشكل عام، خصوصاً أن الإعلام الدولي والعربي وفي مواقع التواصل الاجتماعي في الداخل يركز وبشكل كثيف على مثل هذه الإخبار السعودية، في الأسابيع الماضية هربت فتاة سعودية إلى جورجيا من أهلها الذين يقضون إجازتهم الصيفية في تركيا، وكانت قصتها يلفها الغموض حتى بدأت تغرد على حسابها في «تويتر» وتنشر مقاطع فيديو لمدى العنف الأسري في منزلهم في المملكة من والدهم، وبعدها بأسابيع قرأنا عن اختفاء فتاتين سعوديتين في مطار باريس، ولم تتضح ظروف الاختفاء أو الاعتقال بعد.
إننا كمجتمع نعيش في فجوة قيم معرفية واجتماعية وحقوقية بين الأجيال والكثير من الآباء للأسف يريد أن يفكر أبناؤه وبناته كما يفكر هو، وهذا باعتقادي مستحيل، وإذا حدث للأسف سلوك مغاير للتفكير التقليدي من بعض البنات فالحل دائماً هو العنف أو الاحتجاز والحرمان من الحقوق، ولكن ينسى البعض منا أن أدوات التواصل مع العالم مشرعة ويمكن أن يسيطر عليها، إضافة إلى أن الأجيال الناشئة لديها الأدوات المعرفية من قيم ولغات تعطيها القدرة علي التواصل مع جمعيات ومنظمات في الخارج تدافع عن حقوق المرأة وتقدم وترتب المساعدة لبعض الفتيات اللاتي يمرن بظروف قهرية داخل منازلهن في أية بقعة من العالم وليس فقط في مجتمعنا، على الآباء والأمهات الوقوف مع أبنائهم وخصوصاً في مرحلة المراهقة وتفهم طريقة تفكيرهم وسلوكهم حتى لو كانت تتعارض مع طريقة التفكير التقليدية السائدة في مجتمعنا، فالمرأة الآن تعمل وعلينا أن نحترم خصوصيتها واستقلاليتها، فهي ليست آلة منتجة فقط، فلها حقوقها التي علينا التعاطي معها وتفهمها والابتعاد عن الشك في سلوك الفتيات في أية حال غياب عن المنزل، ما يزيد من المشكلة ويعقدها ويكون الحل في حال الحصار المادي والنفسي هو الهرب، سواء في الداخل أم في أية فرصة للخارج، كم كنت أتمنى أن يكون هناك وزارة للمرأة لدينا تعنى بقضايا المرأة تكون وزيرتها امرأة، فهن أكثر دراية ومعرفة بمشكلات المرأة في مجتمعنا.
المصدر: الحياة