كاتب سعودي؛ كان سفيراً لبلاده في منظمة اليونسكو
ظل كثير من الشعراء والفلاسفة، لعقود وقرون طويلة، يتوقون إلى تحقيق فكرة «العالم الواحد» المندمج والمتمازج، الذي لا فرق فيه بين عربي وأوروبي وآسيوي وأفريقي، أبيض وأسود وأصفر وأحمر.
بعد سنين طويلة من التوق والشوق إلى الإنسان «المتشابه»، تحققت أو كادت تتحقق هذه الأمنية، في ما أصبحنا نسميه ونرمز له في العقود الأخيرة بـ «القرية الكونية». تحقق هذا التشابه عبر ما صنعته العولمة من تسهيل وسائل التواصل والتبادل في الإنتاج الصناعي والثقافي والفني والغذائي والاستهلاكي عموماً، وأكاد أقول و «الديني» حيث لم يعد هناك فارق كبير بين أساليب ووسائل ومتطلبات الداعية المسيحي والداعية المسلم!
ما الذي حدث بعد ذلك؟
هل أصبح الإنسان «المتشابه» أكثر سعادة من الإنسان «المتغاير» الذي عاش في القرون الماضية؟!
الواقع، حتى لا نكون نوستالجيين أكثر من اللازم، إن حياة الإنسان الجديد أصبحت أكثر سهولة ومرونة وأسرع تعارفاً وتداولاً للأفكار والمشاعر من الإنسان القديم.
لكن ماذا بعد؟!
الذي يبدو من خلال ما يبثه الإنسان الجديد لمحيطه، أنه أصبح أكثر سعادة خارجية، لكنه أقلّ سعادة داخلية!
هذا ظنٌ مبني على استنتاج قد لا يستمزجه كثيرون، فما هو البرهان؟
سأقول إن البرهان هو انشغال الناس من الشرق والغرب والشمال والجنوب، في السنوات القليلة الماضية أكثر من ذي قبل، بالاهتمام بالتراث واستعادة الماضي والتنبيش عن الهوية الخصوصية.
لماذا يفعل الناس هذا؟
لأن العولمة جعلت، أو كادت، تجعل العالم كله بطعم ونكهة ولون واحد متشابه، كما كان يحلم الإنسان الرومانسي القديم!
لكن الإنسان اكتشف بعد التجربة أن مائدة الكون ذات النكهة الواحدة تغدو بعد وقت قصير مملّة وغير لذيذة. لأجل هذا تيسرت مهمة منظمة اليونيسكو في حضّ الناس على المحافظة على التراث أكثر من التجاوب مع دعواتها الأخرى في ما يختص بالتربية والعلوم، لأن الناس أنفسهم تكونت لديهم القابلية الذاتية لاستعادة الهوية والرغبة العارمة في نبش التراث وترميمه وإنعاشه والمحافظة عليه، بعد أن أهمله الإنسان «المتشابه» في السنين الماضية.
أدركنا أخيراً أن العلاقة الودودة بين الإنسان والإنسان الآخر لا تتحقق من خلال دحض ثنائية «أنا والآخر، نحن وأنتم» بل بإبقاء هذه الثنائيات التنوعية، لكن من دون توظيفها للمناشزة والتنافر.
من هنا، راقني كثيراً الشعار الذي اختارته الجمعية السعودية للمحافظة على التراث، فشعار «نحن تراثنا» رمزية دالّة على توق الإنسان مجدداً لاستعادة هيبة هُويّته ونكهة تراثه.
«نحن تراثنا» تعني أننا بتنا «نحنُّ إلى تراثنا» .
«نحن تراثنا» تعني احترامنا لتراثنا، لكنها لا تعني احتقار تراث الآخرين.
* في مناسبة (اليوم العالمي للتراث) الذي يحين في ١٨ نيسان (أبريل) من كل عام.
المصدر: صحيفة الحياة