داعية إسلامي من السعودية
لن أتحدث كثيرا في مقالي هذا عما قامت وتقوم به الجماعات الإرهابية بشكل عام، وتنظيم داعش بشكل خاص من أعمال احترافية ـ هوليودية ـ للعمليات الشنيعة التي تحترفها ـ قتل الشهيد الأردني معاذ الكساسبة رحمه الله بالحرق أنموذج جديد ـ بغية تحقيق أهداف كثيرة، في مقدمتها التأثير النفسي على الأطفال والمراهقين، والتأثير السلبي على الروح المعنوية للجنود والمرابطين، وبث الرعب والانهزام في نفوس سكان مناطق النزاع وغير ذلك، وكل هذه الأهداف الرخيصة لا شك أن معالجتها غير غائبة عن ذهن أصحاب القرار وأصحاب الاختصاص.
هنا أتحدث عن ديننا الإسلامي الحنيف الذي سنحتاج إلى وقت غير قصير، وسنوات طويلة لتغيير الصورة السلبية عنه؛ فصورة الإسلام صارت مشوهة جداً في أذهان المسلمين، فضلا عن غير المسلمين. الإحراق الذي حصل تم تسجيله ـ زورا ـ باسم الإسلام، وهناك النحر والإتلاف والهدم وغير ذلك من أمور وحشية وقاسية ومتخلفة، والمؤلم الأكبر أن هنا وهناك من يظلم الدين و”يفلسف” الأمور بطريقة لم تفلح إلا في زيادة السوء سوءًا، و”سرَّعت” من تأخر الدين والارتداد عن مبادئه، والأمر الآخر المنتظر زيادة معاناة المسلمين، والمغتربين منهم بالخصوص.
ظلم الإسلام له أسبابه؛ ولعل أبرزها ـ مع الأفعال المتقدم ذكرها ـ القراءات التقليدية للنصوص، والتشبث بالظاهر، وترك الجوهر، وضيق الأفق، وتجاهل الواقع، وكلها أمور أنتجت الممارسات القميئة، والتطرف والتشدد والتحجر، والتخلف الذي نجده واضحا في عالمنا اليوم.. مرتكبو الأعمال الإجرامية ـ داعش وأخواتها ـ، وضعوا الإسلام والمسلمين في مأزق، وهذا المأزق لن نستطيع تجاوزه إلا بمجهود شرعي مواز للجهود العسكرية.. رفع الظلم عن الدين يلزمه أن يتحلى العلماء والدعاة بالشجاعة الحقيقية التي تقف بوضوح ضد الإرهاب والعنف، والتصريح بأن الإسلام ضد الإفساد وضد الاغتيالات والمداهمات والتفجيرات والتدمير، وأن هذه الأعمال لن تقودنا إلا إلى هاوية لا يعلم مداها ومنتهاها إلا الله، سبحانه وتعالى.
العلماء مطالبون بالمساهمة الصادقة والواضحة ضد القتلة والمحرضين، وضد أي صوت يعلو على صوت الاتزان، وعليهم التعاضد العلني مع أقرانهم ضد تغييب الفكر الوسطي المعتدل.. إن دور العلماء في محاربة الانحرافات السالفة الذكر دور أساس وحاسم، ويتجسد دورهم في تبصير من حولهم لوسطية الدين واعتداله، لا سيما وقد ثبت أن مقدمات الإرهاب تنحصر في الغلو والتطرف. على العلماء الانتباه إلى الشباب، وعدم تركهم فريسة لمن يصطادهم، وعليهم وضع أمر محاربة الإرهاب في أعلى أولوياتهم، وإعطائه جل اهتمامهم، وتقديمه على أي قضية أخرى، كما عليهم بيان الفرق بين الجهاد الشرعي وضوابطه ومسؤولية الإذن به، وبين الإرهاب كعمل إجرامي ينافي مقاصد الشريعة، وعليهم بيان خطورة فتنة التكفير والخروج على الجماعة، وعلى ولي الأمر، وعليهم بيان حقوق المستأمنين والمعاهدين من غير المسلمين في ديار الإسلام، وعليهم تصحيح المفاهيم الخاطئة والتأويلات الفاسدة لنصوص القرآن الكريم والسنة المطهرة فيما يتعلق بعلاقة المسلم بأتباع الديانات الأخرى، وعليهم القيام ببيان الضوابط الشرعية لموقف الإسلام في الفتن ومسؤولية الفرد المسلم في دفعها، وعليهم كشف خطأ الفتاوى غير المسؤولة التي تجيز الأعمال الإرهابية أو تدفع إليها، وعليهم بيان إثم التعاطف مع الإرهاب والفرح بالأعمال الإرهابية، وعليهم نصرة الجانب المستنير والمتفتح للدين، ليتمكنوا ومجتمعاتهم من مواكبة الحضارة وإعمار الكون، وإلا فالكل في الإثم والجرم سواء.
المصدر: الوطن أون لاين
http://alwatan.com.sa/Articles/Detail.aspx?ArticleID=25018