كاتب و أكاديمي متخصص في الإعلام الجديد
هناك مفارقة غريبة في تأثير الشبكات الاجتماعية (فيسبوك وتويتر وواتس أب وغيرها عشرات) على حياتنا، فبقدر ما تسهم في زيادة حجم وتنوع علاقاتنا الاجتماعية من جهة، فهي كذلك – في رأي الكثير من الناس – تؤثر سلبيا على حياتنا الاجتماعية، وفي رأي البعض قد تدمرها تماما.
هذا الموضوع له صدى ضخم في الدراسات الغربية، في محاولة لفهم أثر التكنولوجيا على المجتمع. العلاقات الاجتماعية هي التي تضمن للمجتمع قوته واستمراريته في مواجهة الأزمات، وهي التي تقوي الروح الوطنية، وتسهم في نمو الأنشطة التطوعية، ويستطيع المجتمع من خلالها بناء عملية التعليم الذاتي لثقافة المجتمع وعاداته. العلاقات الاجتماعية هي أيضا ما يمنح الإنسان السعادة حين لا يشعر بالوحدة والضعف في مواجهة الحياة. العلاقات الاجتماعية باختصار أمر لا ينبغي لمجتمع واع أن يتركه في حالة تدهور دون أن يفعل شيئا.
بالمقابل، ورغم الازدياد الواسع لاستخدام الشبكات الاجتماعية في الدول العربية، ورغم أن الحياة الاجتماعية الإيجابية جزء أصيل من ديننا وثقافتنا، إلا أنني شخصيا لم أجد دراسة واحدة عربية على الإطلاق تحاول البحث في هذا الموضوع، ولذا ما سأنقله أدناه من نتائج للدراسات الغربية قد لا ينطبق على مجتمعنا العربي، لأننا مختلفون في تركيبتنا الاجتماعية، ولكن لعلها تحفز الباحثين العرب على التحرك في هذا الاتجاه.
هل تدمر التكنولوجيا حياتنا الاجتماعية؟
فيما يلي بعض الإجابات العلمية عن الموضوع:
1- نسبة عالية من الناس تلجأ تدريجيا للعزلة أو تقليل عدد الأصدقاء حتى ترتاح من أعباء الحياة الاجتماعية عندما يمكنها ذلك. الشبكات الاجتماعية أسهمت في قضاء الكثير من الاحتياجات الإنسانية بجهد محدود، مما جعل الكثير من الناس يلجؤون إليها على حساب الحياة الاجتماعية الحقيقية.
2- من جهة أخرى، علاقات الصداقة التي يتم تأسيسها أو صيانتها عبر التكنولوجيا تكون عادة ضعيفة وليس لها عمر طويل ولا تستطيع تلبية الكثير من الاحتياجات العميقة التي تتطلب التقارب الروحي والنفسي.
3- الأشخاص الذين يعتمدون على التكنولوجيا بشكل مكثف في حياتهم، لهم علاقات أوسع ومشاركة اجتماعية أكبر وإنتاجية مميزة في علاج المشكلات والاهتمام بالقضايا، وهذا يظهر بشكل واضح في الأمور التي لا تتطلب حضورهم الجسدي.
4- من ناحية أخرى، المدمنون على استخدام التكنولوجيا يميلون للعزلة تدريجيا، ويكون استخدامهم للشبكات الاجتماعية هو جزء من عملية الإدمان، وهم في الغالب يتجهون لاحقا للألعاب والتطبيقات التي تلبي إدمانهم دون الكثير من الإرهاق في التفكير الاجتماعي.
5- الشبكات الاجتماعية زادت من نسبة ضعف الثقة بالنفس لدى كافة فئات الناس، وذلك لأن وضع المعلومات عن الذات بشكل عام أمام الجمهور يزيد من نسبة الخوف من النقد من الآخرين ومن التردد في مدى ملاءمتها للمجتمع. أيضا هناك تزايد في الضغط النفسي الذي يأتي من معرفة الأشخاص بأن معلوماتهم تراها الشركات التي يعملون لديها أو تنوي توظيفهم. في حالات المجتمعات المحافظة، هناك ذلك الضغط بين الشخصية التي تظهر بما تتناسب مع الأسرة والأهل، والشخصية الجذابة للأصدقاء الجدد والتعارف.
6- اختلاط الأطفال مع المراهقين مع الكبار على الشبكات الاجتماعية له آثار حادة سلبية على الأطفال والمراهقين، وأسهم في كثير من المشكلات، ويتوقع أن تصبح هذه قضية تربوية مهمة في المستقبل مع تزايد تلك الآثار السلبية.
7- دوائر الثقة (أي عدد الأشخاص الذين يثق فيهم الناس) تصغر مع الزمن. بعض الدراسات تربط ذلك بالتكنولوجيا بتفسيرات أخرى، وبعض الباحثين لا يرى أدلة كافية على ذلك الرفض، ويربطها بتنامي المادية والمصالح في حياتنا الشخصية.
8- العلاقات الاجتماعية والصداقة التي تهدف لتحقيق مصالح معينة (حتى لو كانت نبيلة) تستخدم الشبكات الاجتماعية بشكل مكثف، لأنها تحقق الغرض دون الحاجة للصداقة الشخصية المتكاملة. هذا أسهم كثيرا في ضعف العلاقات الشخصية وزاد من عزلة الناس عبر السنوات.
9- الدخول في جدل فكري وثقافي مع آخرين عبر الشبكات الاجتماعية زاد أيضا من العزلة لدى من يرون أنفسهم من “الأغلبية” في المجتمع لأنهم صدموا بكثرة من يعارضهم، وزاد من الشعور بالتضامن الاجتماعي لدى من يرون أنفسهم من “الأقلية” في المجتمع لأنهم صدموا بكثرة من يتضامن معهم. بكلمات أخرى، من ينتمي لـ”أقلية ثقافية” يستطيع أن يجد من يماثله بشكل أسرع على الإنترنت.
في صميم الروح، الإنسان يعشق تلك الجلسة البسيطة مع صديق يبادله الحب والمؤازرة في وجه الحياة. التكنولوجيا تجعلنا نرى في الناس مجرد كلمات، ولا نرى فيهم الروح والجسد والمشاعر الإنسانية. هذا يفسر ذلك العنف اللفظي الذي تراه أحيانا على الشبكات الاجتماعية بين الناس.
الإنسان – كما قالها سقراط منذ زمن سحيق – كائن اجتماعي، وعندما لا يكون كذلك، فهو شيطان. ربما زادت الشبكات الاجتماعية نسبة الشياطين في مجتمعاتنا.. من يدري؟
المصدر: الوطن أون لاين