كاتب إماراتي
يحتفل مجلس التعاون لدول الخليج العربية هذه الأيام بالذكرى الرابعة والثلاثين لتأسيسه، وبذلك يكون قد قطع سنوات طويلة منذ إعلان أبوظبي لعام 1981 الذي تم بناء عليه تأسيس المجلس كمنظمة إقليمية للتعاون بين الدول الست المكونة له.
وعند إنشاء المجلس نصت الأدبيات التي تؤسس له بأنه منظمة للتعاون بين دوله في المجالات الاجتماعية والاقتصادية.
لكن تطور المجلس ومسيرته والأحداث الجسام التي مرت بالمنطقة بدءاً بالحرب العراقية – الإيرانية ثم الغزو العراقي للكويت، وبعد ذلك غزو الولايات المتحدة للعراق وظهور العديد من الأحداث الدامية وتغيير النظم الحاكمة والثورات العشوائية في عدد من الدول العربية، وبروز المنظمات والجماعات الإرهابية التي تعمل في الظلام حتمت على دول المجلس أن تتعاون وأن تنسق فيما بينها على صعد أخرى شديدة الأهمية لم تنص عليها الوثائق المؤسسة للمجلس، خاصة السياسية والعسكرية والأمنية.
هذه الحقائق الراسخة جعلت من المعطيات والديناميكيات السياسية أكثر بروزاً لكي تتعاون دوله على صعيدها، ما يحتم بالضرورة أن يتم تطوير المجلس شكلاً وموضوعاً لكي يصبح منظمة تعاون وتنسيق إقليمي يطال نشاطها وأهدافها وأغراضها وتطلعاتها الجوانب السياسية والعسكرية والأمنية بشكل أكثر وضوحاً وشفافية وتقنيناً.
وهنا فإنه لكي تتم دراسة المعطيات والديناميكيات السياسية الخاصة بالتطور الاقليمي لمنطقة الخليج العربي في مواجهة التهديدات والمخاطر التي تواجهها توجد أداة تحليلية مفيدة يمكن توظيفها بشكل جيد، هي نظرية التقارب المعياري التي طورها المفكر الأميركي من أصل كيني علي المزروعي.
وبالتأكيد أنه لا يمكننا التطرق بإسهاب لتفاصيل نظرية التقارب المعياري، لكن باختصار شديد هي تقوم على أرضية أن العالم يحتاج إلى إعادة بناء باتجاه قيم أساسية ثلاث هي: العدالة الاجتماعية القصوى، والمزيد من التوزيع المتساوي للرفاه الاقتصادي، وأخيراً الحد من العنف بكافة أشكاله.
ووفقاً لهذا الإطار الخاص بالتقارب المعياري توجد أربع درجات من العلاقات المتداخلة بين الشعوب الاقليمية والجماعات المكونة لها تعمل سوياً كجزء من العملية الأوسع الخاصة بالدمج الاقليمي.
وتلك الدرجات الخاصة بالعلاقات المتداخلة هي العيش المشترك المتزامن، والاتصال أو التواصل، والتوصل إلى التفاهمات، وأخيراً الاندماج والالتئام.
وفي إطار ما يوجد من أطماع وتطلعات عدائية إقليمية تجاه دول المجلس، وفي إطار العمل الخاص بالتعاون الإقليمي الخليجي القائم حالياً، لابد وأن يكون حاضراً في الذهن أنه بالاضافة إلى القدر العادي من المشاكل التي تتم مواجهتها من قبل المجلس كمنظمة، فإن مشاكل المنطقة الخاصة بالتعاون الإقليمي يُضاف إليها تركيز حاد من المشاكل الآتية من إيران بسبب الاختلافات الجوهرية بينها وبين دول المجلس على صعد النظرة الأيديولوجية والتقاليد والثقافة السياسية، والممارسة الدينية – المذهبية والاختلافات اللغوية والثقافية الأخرى، تجعلنا بصدد الحديث عن أن الوقت قد حان لتطوير المجلس إلى منظمة إقليمية أكثر فاعلية وتأثيراً.
فنحن نتحدث عن أن العقود التي مرت من التواجد والاستمرارية والقدرة على تجاوز الكثير من العراقيل والمحن التي مرت بدول المجلس تعتبر أموراً مهمة له كي يعيد صياغة صورته كمنظمة سياسية – أمنية تهدف إلى حماية دولها وشعوبها من الأطماع الخارجية أياً كان مصدرها عوضاً عن الإصرار على الرفض وإبعاد الذات عن الأدوار السياسية والأمنية التي يجب الاضطلاع بها وتمارس فعلياً الآن بسبب تطبيقها على الحالة اليمنية.
وعندما أطرح فكرة الديناميكيات السياسية – الأمنية الخاصة بالتعاون الخليجي فأنا أتيح لنفسي طرح فكرة تتعلق بقضايا رئيسية ثلاث هي: أولاً، البنى التنظيمية للتعاون السياسي – الأمني بمفاهيمه الواسعة، وثانياً، آليات حل أزمة الصراع، وثالثاً وأخيراً، أهداف وتطلعات الاستراتيجية العظمى، ولكل من هذه النقاط تفاصيلها التي تحتاج إلى الشرح الخاص بها.
المصدر: الاتحاد