كاتب و رجل أعمال سعودي
لم أقتنع بأن المؤسسة العامة للتدريب التقني أثبتت فشلها منذ إنشائها في تحقيق أهدافها الأساسية سوى الأسبوع الماضي، عندما علمت خلال قراءتي لصحيفة “الوطن” الخميس الماضي بأن المؤسسة وقعت اتفاقية شراكة استراتيجية لإنشاء كليات تميز مماثلة متخصصة في التدريب التقني بقيمة 4 مليارات ريال، ولن تدير المؤسسة هذه الكليات المتميزة، وستقوم بتأسيس شركة كليات التميز خارج المؤسسة، وسيتم تشغيلها ذاتياً من قبل الكليات نفسها وذلك حسب تصريح معالي محافظ المؤسسة.
نعم، أخيراً اعترفت المؤسسة بأنها فشلت في إدارة كليات التقنية أو في تحقيق أهدافها سابقاً، وذلك اعتراف ضمني عندما أوكلت مهمة التدريب لشركة كليات التميز الدولي بشراكة مع شركة أو جامعة دولية بمبلغ 4 بلايين ريال، ووضعت جميع آمالها في تحقيق أهدافها على شركة كليات التميز العالمية وتخلت عن الإدارة وأوكلتها لشركة جديدة باسم كليات التميز.
موضة جديدة تقوم بها بعض الوزارات والمؤسسات العامة وأمانات المدن عندما تفشل في القيام بمهامها وتحقيق أهدافها، وهي أن تلجأ لإنشاء شركات خارج الوزارات والمؤسسات لتحقيق أهدافها.
أسئلة عديدة أطرحها على القائمين على مشروع الـ4 بلايين ريال، إذ بالإمكان ـ وبنفس المبلغ ـ بناء 20 جامعة سعودية صغيرة، كل جامعة من 4 كليات جامعية متخصصة حسب المواصفات السعودية وتحت إشراف وزارة التعليم العالي، بحيث توجه مخرجاتها لتغطية سوق العمل للتخصصات الفنية. هل يعقل بعد 35 عاماً من عمر المؤسسة نكتشف أن سياستنا وخططنا السابقة من التعليم والتدرب المهني قد فشلت؟ أين ذهبت الدراسات والخطط السابقة؟ ولماذا ـ بعد أن استثمرت المؤسسة العامة للتعليم المهني والتدريب الفني مئات الملايين في ابتعاث شباب سعودي مؤهل للحصول على درجة الدكتوراه في التخصصات الفنية، ومنهم معالي المحافظ ـ نستغني عن هذه الكفاءات بحجة أنه لا حاجة للتدريب لهذه المستويات من الدرجات العلمية، فغادر البعض المؤسسة إلى الجامعات وأبدعوا فيها.
أليست الخسارة في فقدان هذه الكفاءات التي كان بالإمكان الاستفادة منها في كليات التميز الجديدة بعد إعادة تأهيلها من خلال الشريك الاستراتيجي؟
نعم، لقد فشلت المؤسسة في تحقيق الهدف الرئيس من إنشائها؛ وهو تأهيل السعوديين لمهن العمل الفنية في القطاع الأهلي، وهوالسبب الرئيس في عزوف القطاع الخاص عن تشغيلهم، ويؤكد ذلك رئيس لجنة التدريب في غرفة جدة في تصريحه لجريدة الوطن قائلاً: إن شركات التوظيف تعاني كثيراً في تعيين خريجي المعاهد المهنية لمؤسسة التدريب المهني لأسباب العجز المهني.
إن مؤسسة تدريب مهني ميزانيتها أكثر من 5 بلايين ريال، ولم تحقق أهدافها عبر تجارب غير ناجحة سابقاً وتعيد التجربة الأسبوع الماضي بمشروع قيمته 4 بلايين ريال بشراكة دولية وليست شراكة محلية مع تجاهل أي تعاون محلي مع أية جامعة حكومية سعودية مثل جامعة الملك فهد، مؤسسة فشلت في تحقيق أهدافها.
إن أخشى ما أخشاه على هذه المؤسسة أن تفقد ثقة المتعاملين معها طلابا ورجال أعمال، وكم كنت أتمنى لو أقامت المؤسسة حوارا علميا ومهنيا يجمع ممثلي أصحاب الأعمال والعمال والجامعات السعودية، ويطرح عليهم مشروع الـ4 بلايين ريال ويؤخذ رأيهم فيه قبل التوقيع والإعلان عنه، ثم تحريك “المكنة” الإعلامية خلفه لإنجاحه، وأخشى أن ندخل حقل تجارب جديدا يضيع علينا الوقت والمال ثم نعلق فشلنا على معوقات النظام وبيروقراطية الإدارة الحكومية، ثم نلجأ إلى فكرة تأسيس الشركات الحكومية لنهرب من النظام الحكومي إلى نظام الشركات المرن في وسائل وطرق ترسية المناقصات واستخدام الصلاحيات في تعيين القيادات العليا برواتب مبالغ فيها ومميزات ضخمة غير مسبوقة، بالإضافة إلى الهروب من أنظمة الرقابة المالية الحكومية، برغم أن جميع الشركات الحكومية أو الشركات التي تشارك فيها الحكومة خاضعة للرقابة المالية الحكومية.
بعد توقيع المؤسسة عقد الشراكة الدولية لتأسيس كليات التميز، أعلن أحد كبار المسؤولين في المؤسسة أن البرنامج لا يقود إلى الوظيفة من بداية التدريب وإنما هو مصمم على متطلبات واحتياجات واقعية في سوق العمل، وهذا يدفعني إلى طرح العديد من الأسئلة؛ أهمها: لماذا لم يُعلن رسمياً عن اسم الشريك الاستراتيجي وخبرته وعن دوره في عقد الشراكة؟ هل له دور في بناء مبان أو بيع برامج أو تفصيل برامج حسب احتياج سوق العمل أو تدريب عملي من خلال مدربين دوليين؟ وهل هناك برنامج لتأهيل المدربين السعوديين لإدارة البرنامج مستقبلاً؟ وما البرنامج وهيكلته؟ وهل سيبدأ من خلال الكليات التقنية القائمة أم ستنشأ كليات جديدة؟ وما حجم العمل الذي بالإمكان تنفيذه من خلال شركات أو مؤسسات أو جامعات أو مكاتب استشارية هندسية أو شركات نظم معلومات أو استشاريين سعوديين؟ وهل هناك برنامج شراكة مع جامعات سعودية؟ ومن هم المؤسسون للشركة السعودية الجديدة التي ستقوم بالعمل (شركة كليات التميز)؟ وهل هم نفس المؤسسين للشركات الحكومية الأخرى؟ وعلى مبدأ الشفافية لماذا لم يُعلن وينشر عقد الشركة الجديدة؟
المصدر: الوطن أون لاين