رئيس تحرير صحيفة الشرق الأوسط
لم تمر على دول الخليج أيام صعبة، كما هي أيامنا هذه، فلا تكفي التوترات غير المسبوقة التي تحيط بالمنطقة، ولا يكفي تبدل سياسات دولية كانت ثابتة وواضحة، ولا يكفي خمول الدولة الأقوى في العالم، ليأتي الخلاف الخليجي – القطري ويزيد الطين بلة، فالترقب سيد الموقف، خاصة بعد توافق السعودية والإمارات والبحرين على أن شقيقتهم قطر غير مستعدة فعلا، لا قولا، لتصحيح سياستها المتسببة بضرر بالغ لهم. اجتماعات ولقاءات ومباحثات، وزراء يذهبون، وآخرون قادمون، لجان تراقب وتسجل وترفع تقاريرها، ويبقى القرار الأخير في يد قادة الدول الثلاث، الذين صبروا صبرا لم يعد يمكن المراهنة على استمراره أكثر.
من الواضح أن صدر الدول الخليجية لم يعد يحتمل سياسة الدوحة التي تكون أحياناً «شاطحة» عن شقيقاتها ومحيطها، كما أنه من الواضح أيضاً أنه لم يعد لدى قطر ما تقدمه لتواري أخطاء سياستها الموجّهة ضد مصالح شقيقاتها، بالإضافة إلى عدم قدرة قطر أصلا على التخلص من ملفات شائكة مع أطراف وجهات لا تستطيع إنهاء العلاقة معهم بسهولة. هل يمكن لقطر، مثلا، أن تصبح ذات يوم لتقول لـ«حزب الله» والحوثيين وجماعة الإخوان المسلمين وغيرهم: «شكر الله سعيكم.. أغلقنا ملفاتنا معكم»؟ هل بإمكانها فجأة أن تقطع علاقاتها مع كل من يسيء لجيرانها من أراضيها، وفي الوقت ذاته تحتضنهم وتؤويهم؟ للتذكير فقط، أنه بعد يوم واحد من زيارة أمير قطر الأخيرة للسعودية، ولقائه خادم الحرمين الشريفين، وبينما الأنظار تتجه لقرارات قطرية تخفف الاحتقان، وتبشّر على الأقل بحسن نوايا مقبلة، يجري تعيين مدير عام جديد لقناة «الجزيرة»، عُرف عنه توجهاته العدائية الصريحة وشتائمه، وبالاسم، للسعودية والإمارات والبحرين وقيادتها وحكوماتها، فأي رسالة تريد أن ترسلها الدوحة؟ وأي مصالحة تجري طالما هذه سياسة الشقيقة مع شقيقاتها؟ لاحظوا.. نتحدث هنا عن قرارات علنية، ولم نتطرق إلى القرارات التي يمكن أن تجري تحت الطاولة.
ليس بخافٍ على الشارع الخليجي حجم أخطاء السياسة القطرية، التي غض النظر عنها الأشقاء الكبار سنين طويلة، أملا في عودتها لعمقها الخليجي، إلا أن المشاغبة خرجت من وصفها هذا للتحول إلى سياسة مزعجة ومؤذية، قبل أن تتطور إلى سياسة موجهة، وبشكل واضح وصريح، ضد جيرانها، الذين بدورهم قدموا ملفا ضخما عامرا بالأدلة للحكومة القطرية يثبت صحة مواقفهم، في حين يرد القطريون بأن سياستهم الخارجية لا يتحكم فيها أحد، ولا يمليها عليهم أحد، وأن الدول لا تُقاس بحجمها، بل بطموحاتها! ويعتبرون أن أي سياسة حتى لو كان ضررها واضحا على الجيران، فإن ذلك لا يعني السماح لهم بالتدخل في «شأن سيادي». ينسى الأشقاء القطريون دائما أنه لا يحق لدولة أوروبية من الدول الثماني والعشرين الأعضاء في الاتحاد الأوروبي أن تخالف السياسة العامة للاتحاد، ولنا في الموقف من أوكرانيا مثل.
لا جدال في أن قطر تريد التأكيد على أن سياستها لا تؤثر على عضويتها في مجلس التعاون الخليجي وعلاقاتها مع جيرانها، وستستغل كافة وسائلها أفضل استغلال لإيصال رسائل داخلية وعربية ودولية بأنها ماضية في منهجها مهما كانت النتائج. أما دول الخليج فهي أيضاً لن تصمت أكثر من صمتها 18 عاما على سياسات تجزم بأنها لم تتوقف في النيل من استقرارها. لا أحد في دول الخليج يريد أن يخسر قطر، ولا أحد يريد أن تنكفئ على نفسها قطر، ولا أحد يريد، وهو الأخطر، أن يتسبب الخلاف في تحالف دول، مثل إيران أو غيرها، مع قطر، لكن السؤال: هل هذا ما تريده قطر؟!
المصدر: الشرق الأوسط
http://classic.aawsat.com/leader.asp?article=784569