هل ينتقل فيروس الإيبولا بين المسافرين بالطائرات؟

منوعات

زاد مرض الإيبولا من المخاوف المتعلقة باحتمال انتقال ذلك الفيروس القاتل إلى مختلف أنحاء العالم عن طريق السفر بالطائرات، وقد تحدثنا مع عدد من الخبراء المعنيين بالأمر لمعرفة احتمالات الإصابة بالمرض عند السفر جوا.

هل كبائن الطائرة مراتع خصبة لانتشار المرض؟

يتوجس معتادو السفر بالطائرات من الركاب المصاحبين لهم الذين قد تبدو عليهم أعراض مرضية مثل العطس أو السعال، خشية أن يصابوا بعدوى مماثلة لما يعانيه هؤلاء الركاب.

وقد أصبح احتمال انتشار الأوبئة الأكثر خطورة عند السفر جوا، مثل انفلونزا الطيور، والسارس، والسل، مثار قلق منذ سنوات.

ونشهد اليوم تفش خطير لأحد أكثر أنواع فيروسات الإيبولا فتكا على الاطلاق.

وقد بدأ تفشي المرض في غينيا في شهر مارس/ أذار الماضي وانتقل سريعا إلى ليبيريا، وسيراليون، ونيجيريا.

وقد بلغ القلق في الغرب ذروته بعد ورود أنباء عن أن أحد الأشخاص استقل طائرة في رحلة محلية وهو يحمل ذلك الفيروس، وسط مخاوف متزايدة من إمكانية انتشار المرض بسرعة حول العالم عن طريق النقل الجوي.

وقد وصف ديفيد كاميرون، رئيس وزراء بريطانيا، مرض الإيبولا بـ”التهديد الخطير”.

لكن ما هي احتمالات الإصابة بمرض قاتل وأنت على متن طائرة؟ وما الذي يمكن أن يمنع المسافر الذي يحمل ذلك المرض من التنقل بين الدول؟

تحدثت “بي بي سي” مع باحثين في علوم الأمراض المعدية لمعرفة كيفية انتقال المرض عند السفر بالطائرات، ومدى خطورة انتشار فيروس الإيبولا حول العالم.

مشاكل انتقال المرض

تقول كريستينا بيرسون، المتحدثة باسم مراكز التحكم والوقاية من الأمراض في أتلانتا، بولاية جورجيا الأمريكية، إن مخاطر الإصابة بالعدوى من مسافر مريض ليست عالية كما يٌعتقد. ولا تختلف مخاطر انتقال المرض في الطائرة عن أي مكان آخر يختلط فيه الناس، مثل قاعات الطعام بمراكز التسوق.

ويوافق على هذا الطرح جون أوكسفورد، أستاذ الفيروسات بجامعة كوين ماري في لندن، ويشير إلى أن نظام التهوية بالطائرات يتحرك فيه الهواء من الأرضية إلى السقف، ويتم ترشيح الهواء من البكتيريا والفيروسات قبل أن يُعاد تدويره.

وتبين أنه باستخدام وسائل المحاكاة التي تبحث في احتمالات انتشار الجراثيم أنها عادة ما تقتصر على صفين على كل جانب من جوانب الطائرة، وحتى في هذه الحالة يبدو أن فرص انتشار الفيروس ضئيلة، وفقا لدراسة نشرت في الدورية الطبية البريطانية “بريتش ميديكال جورنال”.

وكانت تلك الدراسة تدور حول واقعة في إحدى الطائرات التي كان يستقلها تسعة من تلاميذ المدارس بعد أن تبين في وقت لاحق أنهم كانوا يحملون فيروس انفلونزا الخنازير، والذي أصاب اثنين فقط من الركاب الآخرين من بين أكثر من مائة راكب تم فحصهم.

وكان المصابان يجلسان على بعد صفين فقط من التلاميذ المصابين بالمرض. ونتيجة لذلك، خلص الباحثون إلى أن نسبة خطر الإصابة بالمرض للأشخاص الجالسين في مثل هذه المقاعد لا تتجاوز 3.5 في المئة.

ويشير عدد قليل من الدراسات الأخرى التي تبحث في أمراض الحصبة والسل إلى أن معدل انتقال هذه الفيروسات داخل كابينة الطائرة ضئيل جدا.

ومن مثل هذه الدراسات، استنتج أكسفورد أن “الخطر الأكبر ليس على متن الطائرة، ولكنه في سيارة الأجرة في الطريق إلى المطار”.

إلا أن جون إدموندز، أستاذ محاكاة الأمراض المعدية بكلية لندن للصحة وطب المناطق الاستوائية، يشير إلى أنه من الصعوبة بمكان التوصل إلى أي استنتاجات قاطعة حتى بالنسبة للأمراض الأكثر انتشارا.

ويقول إدموندز إن عدد الدراسات ضئيل مما يعني أنه ليس بوسعك التوصل إلى أرقام محددة حول معدل الخطر ومقارنتها بخطر الإصابة بالعدوى في مدرسة على سبيل المثال. ولذا فمن الصعب تقييم خطر انتقال أمراض نادرة لم تجر عليها أبحاث كافية مثل الإيبولا داخل الطائرة.

ويعد نمط انتقال العدوى عاملا مهما في هذا الإطار، وهناك حالات موثقة لكنها قليلة للفيروسات العصبية التي تنتشر بين الركاب ربما بسبب استخدامهم لنفس المرحاض.

ولكننا نعرف أن فيروس الإيبولا صعب التحكم فيه نسبيا، فهو خلافا لأمراض الجهاز التنفسي الأخرى، مثل البرد والانفلونزا، يمكنه أن ينتقل فقط من خلال ملامسة السوائل التي يفرزها جسم المصاب، مثل اللعاب والقيء والدم.

ورغم أنه من غير المحتمل أن يحاول شخص مصاب بالمرض السفر جوا ويجد من يمنعه، فليس الأمر مستحيلا.

وقد ظهرت بعض هذه الأعراض على باتريك سواير، المواطن الأمريكي الذي قضى نتيجة الإصابة بالفيروس مؤخرا، وكان على متن رحلة من ليبيريا إلى نيجيريا، مما أثار مخاوف بشأن الركاب الآخرين.

وبات يتعين على أطقم قيادة الطائرات ومسؤولي الصحة العامة توخي الحذر من المخاطر الآن، ووضع أي شخص يشتبه في إصابته بالمرض قيد الحجر الصحي.

وهنا يقول أكسفورد إنه على الجميع “توخي الحذر واليقظة”.

وهناك دوما احتمال أن يصعد راكب إلى طائرته قبل أن تظهر عليه الأعراض الكاملة للمرض، لكن الأبحاث الحالية تشير إلى أنه من غير المحتمل أن ينتقل إليك الفيروس من شخص ما في المراحل الأولى من المرض، أي قبل أن يبدأ في مرحلة التقيؤ، والنزيف.

ويقول إدموندز “لا أريد أن أكون راكبا يجلس بالقرب من شخص مصاب بفيروس الإيبولا، لكن إذا كان ذلك الشخص يعاني فقط من الحمى فلا أتصور أن الموقف ينطوي على مخاطرة كبيرة.”

ويشير أوكسفورد إلى أن الإجراءات الصحية الأساسية تقلل كثيرا من فرص انتقال العدوى، حتى لو لم ينتهي الخطر تماما.

ويقول إن “فيروس الإيبولا يمكن القضاء عليه بسهولة، ويمكنك قتله بالماء الساخن والصابون، واستخدام المناشف المبللة بالكحول التي تقضي عليه في جزء من الثانية.”

مخاطر محدودة

يقول إدموندز إن تاريخ انتشار الأمراض المعدية يرتبط تماما بالتحسينات التي طرأت على وسائل السفر، ويشير هنا إلى أنه في الماضي كان انتشار الأمراض مرتبط بطول مدة السفر.

وبما أن فيروس الإيبولا له مدة حضانة تصل إلى حوالي 21 يوما، فإنه يمكن للمسافرين أن يصلوا إلى وجهتهم قبل أن تظهر عليهم أعراض المرض، وهنا من المحتمل أن تنتقل العدوى إلى الأشخاص الذين يقيمون معهم.

ويعترف أوكسفورد بأن هذه “مشكلة”، لكنه متفائل بأنه لا يزال من الممكن احتواء تلك العدوى، فأي شخص تظهر عليه أعراض المرض يجب أن يجرى له فحص سريع قبل أن يودع الحجر الصحي، وعلى السلطات الصحية فحص أي شخص كان على اتصال به، مثل أفراد طاقم الطائرة، ومسؤولي الجوازات، وأسرهم.

ويقول غريغوري هارتل، المتحدث باسم منظمة الصحة العالمية، إن الموقف الرسمي للمنظمة في الوقت الحالي هو أن “الخطر ضئيل” رغم أن المنظمة تعمل حاليا مع رابطة النقل الجوي العالمية لمراجعة توصياتهم.

وفي الوقت الحالي، لا توصي المنظمة بفحص جميع الركاب في المطارات نظرا لأن أجهزة الفحص الحرارية المستخدمة للكشف عن الحمى لا يمكنها أن تكشف عن الأشخاص الذين لا يزالون في المراحل الأولى من المرض، ومن ثم لا توجد قيود على السفر يوصى بها حاليا.

ومع ذلك، فالوضع يتطور سريعا وقد تتغير تلك التوصيات في الأيام القادمة، لكن في الوقت الحالي ليس بوسع أحد أن يتكهن بأن ركاب طائرات آخرين قد أصيبوا بالمرض، لكن الأمل في أن تساعد اليقظة الشديدة في التقليل من أي مخاطر محتملة.

وحتى إذا تمكنا من احتواء فيروس الإيبولا، والحد من انتشاره، فإن ذلك يظهر مرة أخرى أنه لا توجد كارثة أو وباء بعيد عنا في هذا العالم الحديث المتصل جيدا ببعضه البعض.

المصدر: ديفيد روبسون – بي بي سي