يعقد اليوم في مدينة جدة اجتماع إقليمي، بمشاركة دول مجلس التعاون الخليجي وكل من مصر والأردن ولبنان وتركيا، وبمشاركة وزير الخارجية الأميركي جون كيري. وأعلن في وقت متأخر أمس عن مشاركة العراق في الاجتماع، في تطور لافت لفتح قنوات تواصل بين العراق ودول إقليمية بهدف مواجهة تنظيم «داعش». ومن المرتقب أن يبحث اجتماع اليوم موضوع الإرهاب في المنطقة، والتنظيمات المتطرفة التي تقف وراءه وسبل مكافحته.
ويأتي اجتماع اليوم بعد ساعات من إلقاء الرئيس الأميركي باراك أوباما خطابه للكشف عن استراتيجيته لمواجهة «داعش»، حيث أكد مسؤول أميركي لـ«الشرق الأوسط» أن «الولايات المتحدة تتطلع إلى معرفة ما يمكن لكل دول المنطقة والدول الحليفة أن تقدمه فعليا في هذه المواجهة». وأضاف المسؤول الذي طلب عدم الكشف عن اسمه «الأمر لا يتعلق بزيادة عدد الدول المساندة لمواجهة (داعش) والمجموعات المتطرفة الأخرى، بل الأفعال والمواقف الواضحة من هذه المجموعات».
ومن المرتقب أن يعقد الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي، وكيري، مؤتمرا صحافيا مشتركا اليوم، لعرض تفاصيل أكثر عن اللقاء، ومن أبرزها سبل الحد من نشاط التنظيمات المتطرفة التي يتصدرها ما يسمى بتنظيم «داعش».
من جانب آخر، أوضح مصدر دبلوماسي عربي، لـ«الشرق الأوسط»، أن الاجتماع سيكون المرحلة الأخيرة لوضع التصور النهائي للعمل على لمواجهة الإرهاب في المنطقة، خصوصا بعد الاتصال الهاتفي الذي دار بين خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، والرئيس الأميركي باراك أوباما، في وقت سابق من أمس، تزامنا مع لقاء جون كيري مع رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، خلال زيارته غير المعلنة مسبقا إلى بغداد أمس.
وقال المصدر إن وزراء الخارجية في دول مجلس التعاون، ومصر والأردن ولبنان وتركيا والعراق، بمشاركة الولايات المتحدة، سيعقدون جلسة مغلقة عقب الجلسة الافتتاحية، لوضع النقاط النهائية بشأن استراتيجية محاربتهم للإرهاب، خصوصا أن تنظيم «داعش» بات سيطر على 20 في المائة من الأراضي العراقية. وأشار المصدر إلى أن الاجتماع سيتطرق إلى آلية التعاون بين الدول في وضع خطة عمل سياسية ومالية وعسكرية، في مكافحة الإرهاب وموجات التطرف في المنطقة بشكل عام، و«داعش» بشكل خاص. وأكد السفير العراق لدى الرياض غانم الجميلي لـ»الشرق الأوسط» ان وزير خارجية العراق إبراهيم الجعفري سيشارك في اجتماع اليوم.
ومن جهته، قال المسؤول الأميركي إن «الموقف الإقليمي مهم»، لكنه أوضح أنه «لا حديث حاليا عن مشاركة إيران في هذا التحالف». وأكد أن واشنطن لا ترى دورا في الوقت الراهن لطهران في هذا التحالف، ولا تنوي فتح قنوات تواصل معها حول مواجهة «داعش».
وتوقعت مصادر في السعودية أن يدفع اجتماع جدة إلى الإسراع في إنشاء المركز الدولي لمكافحة الإرهاب، الذي اقترحت السعودية تأسيسه عام 2005، ودعمه خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز في أغسطس (آب) الماضي، بنحو 100 مليون دولار للأمم المتحدة.
وتشدد الولايات المتحدة في جهودها لمواجهة التطرف والمجموعات المسلحة على أن الخطر الأساسي في الوقت الراهن يأتي من تنظيم «داعش»، لكن هناك إقرارا أميركيا بأن مجموعات مسلحة وخطرة تهدد أمن الشرق الأوسط والعالم. وقبل ساعات من إلقاء الرئيس الأميركي باراك أوباما خطابه حول كيفية مواجهة «داعش» في استراتيجية تشمل إجراءات في العراق وسوريا، أكد مسؤول أميركي أن «الطريق سيكون طويلا وصعبا جدا، ولكن يمكن لمنطقة وشركائنا في الخليج أن يلعبوا دورا مهما فيه».
ومن جهته، قال دبليو يوهان شمونسيس، المتحدث الرسمي بالسفارة الأميركية، إن اجتماع اليوم في جدة يعتبر اللبنة الأساسية في خارطة الطريق نحو مكافحة الإرهاب، مشيرا إلى أن وزير خارجية بلاده يهدف من زيارته إلى السعودية لتأسيس تحالف مع الفاعلين من دول المنطقة المهمين لصنع واقع أكثر أمنا وسلاما. ولفت يوهان، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن هذه الزيارات التي ينفذها كيري في المنطقة تأتي كعملية مؤسسة ومدعومة من قادة العالم، مشيرا إلى أهمية دور السعودية في العمل المشترك على المستوى الإقليمي والدولي. وأضاف أن «كيري سيبحث التعاون الثنائي مع قادة دول المنطقة، وكيفية توظيف واستخدام آليات العمل المشترك لدفع التحالف المزمع بشأن كبح جماح (داعش) والقضاء عليها في مهدها من خلال ما لدى هذه الدول من معينات متعددة ومختلفة من شأنها دفع هذا المسار».
وقال يوهان «هناك أكثر من 40 دولة تشاركنا هذا التفكير والرؤى في خلق جهود مشتركة تحافظ على العراق من أيدي هؤلاء الإرهابيين، مع النظر في قضية مساعدة القوات الكردية، وخطواتها في هذا الأمر»، مشيرا إلى أن السعودية حليف قوي في محاربة الإرهاب.
ووفق شمونسيس «سيكون التركيز منصبا على تجميع كل الجهود المتعددة المبذولة، بما في ذلك الدعم العسكري لحلفائنا في العراق، من أجل إيقاف نزيف وتدفق المقاتلين الأجانب في تلك الدولة، وكذلك الداعمين والممولين لهذا الزحف الإرهابي بدعوى أن النزاع ذو وجه إنساني لمنحه الشرعية للتوجه الآيديولوجي لصانعيه».
وأعلنت فرنسا أمس عن إمكانية مشاركتها في ضربات عسكرية في العراق. وأعلن وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس، أمس الأربعاء، أن فرنسا ستشارك «إذا اقتضت الضرورة في عمل عسكري جوي» في العراق، متداركا أن تحرك باريس لن يخضع للمعايير نفسها في سوريا. وقال فابيوس في خطاب ألقاه في معهد الدراسات السياسية في باريس «في العراق، دعت الحكومة والأقليات إلى المساعدة: سنلبي هذا الطلب عبر تسليم معدات عسكرية وعبر مساعدة إنسانية»، و«سنشارك إذا اقتضت الضرورة في عمل عسكري جوي». وسبق أن أبدت فرنسا استعدادها للمشاركة في عملية عسكرية في المنطقة ضد تنظيم داعش بقيادة الولايات المتحدة. وهي المرة الأولى التي يتحدث فيها وزير فرنسي عن ضربات جوية. وأضاف فابيوس «لا بد من تعبئة دولية للرد على هذا الخطر الذي يمكن أن يبلغ أراضينا. ثمة مئات من الفرنسيين الجهاديين في العراق وسوريا». وقال مصدر دبلوماسي إن ما يمنع فرنسا من التدخل عسكريا في سوريا هو عدم وجود شرعية دولية لهذا التدخل، في حين أن أي عملية عسكرية في العراق ستأتي تلبية لطلب سلطات هذا البلد، ويمكن أن تستند إلى المادة الحادية والخمسين من ميثاق الأمم المتحدة حول الدفاع المشروع، بحسب المصدر.
يذكر أن الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند يزور العراق غدا، ويعد لاجتماع عن العراق يوم الاثنين المقبل، يركز على الوضع الأمني وكيفية تقديم الدعم للبلاد.
ومن جهة أخرى، وبعد أن زار الأردن حيث التقى العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، أول من أمس، توجه وزير خارجية تركيا مولود جاويش أوغلو إلى قطر، أمس، حيث التقى أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، وبحث معه التطورات الإقليمية. وأكدت مصادر تركية رسمية أن أنقرة تدرس إمكانية مشاركتها في أي تحالف ينشأ لمحاربة تنظيم داعش، مشيرة لـ«الشرق الأوسط» إلى أن حدود هذه المشاركة لا تزال موضوع بحث بين القيادات التركية، ومع حلفائها الإقليميين والدوليين. وتحدثت المصادر عن وجود «تعقيدات» تمنع انخراط أنقرة الكامل وغير المحسوب في المعركة، في إشارة غير مباشرة إلى الرهائن الأتراك لدى «داعش» في الموصل. وعقد في مقر رئاسة الوزراء التركية أمس اجتماع أمني، ترأسه رئيس الوزراء أحمد داود أوغلو، خصص للبحث في الموضوع. وشارك في الاجتماع رئيس هيئة الأركان الجنرال نجدت أوزل، ونائب رئيس الوزراء بولند أرينج، ووزير الداخلية أفكان آلا، ووزير الدفاع عصمت يلماز، ورئيس جهاز الاستخبارات الوطنية هاكان فيدان، وقائد القوات البرية الجنرال خلوصي أقار، وقائد قوات الدرك الجنرال عبد الله أطاي. وأوضحت المصادر أن الاجتماع خصص لبحث الموقف التركي من الأزمة، والخطوات التي يمكن لأنقرة القيام بها للحد من دخول المتشددين إلى الأراضي السورية «من دون الإضرار بالمعارضة السورية المعتدلة».
وكشفت مصادر تركية لـ«الشرق الأوسط» أن الجانب التركي وضع لوائح يمنع بموجبها نحو 7 آلاف شخص من دخول الأراضي التركية، بينهم عرب ومن جمهوريات روسية سابقة ودول آسيوية. وقالت المصادر إن تسهيلات تركيا أعطيت لزيادة دعم الجماعات المعارضة المعتدلة لتعزيز قواتها في مواجهة «داعش»، متوقعة أن تشهد الأيام المقبلة حراكا أوسع لإعادة تنشيط الجيش الحر. لكن مصدرا في المعارضة السورية قال إن هذا الحراك هو نتيجة دعم عربي – أميركي للجماعات السورية المعتدلة، مشيرا إلى أن عملية شاملة لمواجهة التنظيم سوف تبدأ قريبا من الريف الحلبي وتتوجه في حال نجاحها إلى الرقة، حيث معقل التنظيم، في نهاية المطاف. ورفض المصدر التركي الرسمي الاتهامات الموجهة إلى بلاده بدعم تنظيم داعش وتقديم تسهيلات له عبر الأراضي التركية، مشيرا إلى أن المعلومات التي تبثها صحف المعارضة التركية «غير دقيقة ولا تمتلك أي مصداقية»، مشيرا إلى أن الأيام المقبلة سوق توضح الموقف التركي الحقيقي الذي لا يختلف عن الإجماع الدولي و«إن كان أكثر إدراكا لبعض التفاصيل والحساسيات في كل منطقة».
وتشير التوقعات إلى استعداد أنقرة لتقديم تسهيلات لأي عمليات تستهدف التنظيم في العراق وسوريا، على غرار الدعم المقدم في أفغانستان (دعم لوجيستي غير عسكري)، وهو ما يقل عن التصور الأميركي الذي يريد من أنقرة انخراطا أكبر في الحرب ضد «داعش».
لندن: مينا العريبي جدة: ناصر الحقباني الرياض: فتح الرحمن يوسف بيروت: ثائر عباس
الشرق الأوسط