
إعداد .. محمد كمال: مع اتساع رقعة الاحتجاجات في الولايات المتحدة، وامتدادها لأكثر من 12 مدينة رئيسية، يخشى الرئيس دونالد ترامب أن تصل أحداث العنف إلى العاصمة واشنطن تزامناً مع احتفالات الذكرى السنوية الـ250 لتأسيس الجيش، السبت، حيث حرص على تنظيم عرض عسكري نادر، اعتبره منتقدوه استعراضاً للقوة، كما ألمحوا أيضاً إلى أنه يصادف ذكرى ميلاده، فيما توعد باستخدام «القوة الهائلة» ضد أي محاولة لإفساد العرض.
وتأتي المخاوف من أن تشهد الاحتفالات الوطنية عاصفة احتجاجات تدفع الجيش إلى آتون معركة سياسية، عقب اتخاذ ترامب أمراً نادراً بنشر عدد من قوات مشاة البحرية (المارينز) والحرس الوطني لمواجهة عنف المتظاهرين، في لوس أنجلوس، وهو ما لاقى ردود فعل غاضبة؛ إذ يطالب الكثيرون بأن يظل الجيش الأمريكي على الحياد، بينما اعتبر حكام ولايات ديمقراطيون قرار ترامب مخالفاً للقانون الأمريكي.
العرض العسكري النادر
وتشهد واشنطن عرضاً عسكرياً نادراً، حيث بدأت تتدفق الدبابات وناقلات الجنود المدرعة وأنظمة المدفعية إلى العاصمة، فيما قال عدد من المسؤولين الحاليين والسابقين في الجيش إن العرض العسكري والاحتفالات الأخرى يوم السبت، والذي يصادف أيضاً عيد ميلاد ترامب التاسع والسبعين، قد تجعل الأمر يبدو وكأن الجيش يحتفل بحملة قمع ضد الأمريكيين.
ويؤكد كوري شاك، المسؤول الدفاعي السابق: «إن المصادفة المؤسفة بين العرض العسكري وتحويل الحرس الوطني في كاليفورنيا إلى مؤسسة فيدرالية سوف تبدو غير مريحة». ولم يعتبر شاك في البداية العرض مشكلة كبيرة، لكنه عبر عن شعوره بالقلق إزاء «التصعيد السريع من جانب إدارة ترامب في لوس أنجلوس، وفق ما ذكرت صحيفة نيويورك تايمز.
وقال ماكس روز، عضو الكونغرس الديمقراطي السابق وعضو الجيش المخضرم، إن المشهدين معاً «ربما يؤديان إلى تآكل الثقة في الجيش في وقت ينبغي أن يكون فيه الجيش رمزاً للوحدة الوطنية». وقال إنهم ينشرون الحرس الوطني في تناقض مباشر مع ما طلبته السلطات المحلية، وفي الوقت نفسه هناك هذا العرض الضخم.
تظاهرات يوم التأسيس
وعندما توعد ترامب المتظاهرين الذين قد يتجمعون خلال العرض العسكري، لم يفرق بين الحق في التجمع السلمي وبين الانخراط في العنف والتخريب.
وتم التخطيط لتنظيم احتجاجات في جميع أنحاء الولايات المتحدة، السبت المقبل، تزامناً مع العرض العسكري، وتنظم الجماعات التقدمية تظاهرات تُطلق عليها «يوم التحدي الوطني»، فيما قالت في بيان إن ترامب يسعى إلى «عرض هيمنته المُعدّ خصيصاً لعيد ميلاده». وأضافت أن «السلطة الحقيقية لا تُقام في واشنطن؛ بل تنبع من كل مكان آخر».
قدامى المحاربين
أبدت بعض جماعات قدامى المحاربين استياءها من العرض العسكري قبل فترة طويلة من عمليات الانتشار الأخيرة في لوس أنجلوس. وقد طلب الجيش مؤخراً من فرع منظمة قدامى محاربين في شمال فرجينيا تقديم أسماء 25 من أعضائها للحضور في منصة الاستعراض الرسمية، لكن المنظمة رفضت تقديم أي أسماء.
ويقول جاي كالنر، رئيس الفرع والمحلل المتقاعد في وكالة المخابرات المركزية: «لو كان الأمر مجرد احتفال بالذكرى الـ 250 لتأسيس الجيش، لما كان هناك رفض. لكننا شعرنا بأنه يُخلط بينه وبين عيد ميلاد ترامب، ولم نرغب في أن نكون دعامة لذلك».
تحديات العرض العسكري
ظهرت المخاوف بشأن العرض العسكري حتى قبل أن ينشر الجيش قواته في لوس أنجلوس، حيث قال بيتر فيفر، أستاذ العلوم السياسية بجامعة ديوك، والذي درس الجيش لعقود: «لطالما كان التحدي الذي واجهه العرض العسكري هو كيفية الاحتفال بمساهمة الجيش التي استمرت 250 عاماً في الجمهورية، مع تجنب التسييس الناتج عن بيئتنا الحزبية المستقطبة حالياً». وأضاف: «يزداد هذا التحدي صعوبةً عندما تُعرض بعض الوحدات في الوقت الذي تواجه فيه وحدات أخرى احتجاجاً عاماً».
وقال أحد المسؤولين في الجيش، إنه سيغادر المدينة أثناء الأحداث. كما قالت جانيسا جولدبيك، وهي من قدامى المحاربين في سلاح مشاة البحرية، إنها قلقة من أن يتم دفع مشاة البحرية والحرس الوطني إلى دوامة سياسية يمكن أن تضر بعلاقاتهم مع الأمريكيين.
وقالت إن «الشباب والفتيات الذين يسجلون للخدمة والتطوع في مجتمعاتهم والاستجابة لحرائق الغابات والكوارث الطبيعية الأخرى، يتم وضعهم الآن في هذا الموقف السياسي الخطر للغاية».
وكثيراً ما تقدم القوات العسكرية المساعدة في الولايات المتحدة أثناء الكوارث الطبيعية وغيرها من الحوادث، لكن نادراً ما يتم نشرها للمساعدة على إنفاذ القانون المحلي، وخاصة من دون دعم حاكم الولاية.
استعراض يوم التأسيس
ومع الاستعداد لعرض يوم التأسيس توعد ترامب، بأن أي شخص يحتج على العرض العسكري في واشنطن «سيُواجَه بقوة هائلة»، بينما دعم هيجسيث خطط إقامة عرض عسكري نادر، تشارك فيه 150 مركبة عسكرية، منها 28 دبابة و28 ناقلة جنود مدرعة ثقيلة، في شوارع العاصمة، مانحاً ترامب الاحتفال الذي طال انتظاره لسنوات.
وأعرب المشرعون الديمقراطيون وبعض المحاربين القدامى عن مخاوفهم من أن هيجسيث، ربما يأخذ الجيش الأمريكي إلى وسط معركة سياسية. وقالت النائبة بيتي ماكولوم، الديمقراطية عن ولاية مينيسوتا، في جلسة استماع بمجلس النواب، بينما كان المشرعون يوجهون أسئلةً لاذعة لهيجسيث: «لا دور للجيش في إنفاذ القانون المحلي، وهم غير مُدرّبين على هذه المهام». لكن وزير الدفاع برر عمليات الانتشار في لوس أنجلوس، قائلاً: «ينبغي أن نكون قادرين على إنفاذ قانون الهجرة في هذا البلد».
وقال مسؤول دفاعي إن محاميي البنتاغون يعتقدون أنهم وجدوا بعض المرونة في بند العنوان 10 الذي استخدمه ترامب لإصدار أوامر لقوات الحرس الوطني بالتوجه إلى لوس أنجلوس ضد رغبات حاكم كاليفورنيا، جافين نيوسوم. وقالت القيادة الشمالية للجيش الأمريكي في بيان إن قوات مشاة البحرية ستساعد في حماية الممتلكات الفيدرالية والعملاء الفيدراليين في لوس أنجلوس.
القوة المميتة
لكن على عكس ضباط إنفاذ القانون أو حتى قوات الحرس الوطني، الذين يمارسون السيطرة على الحشود أثناء الاحتجاجات، يتم تدريب القوات العاملة على الاستجابة للتهديدات بسرعة وباستخدام القوة المميتة.
ويقول دانيال مورير، المقدم المتقاعد في الجيش والذي شغل منصب القاضي العام: «لا أرى ضرورةً لتطبيق قانون التمرد في هذه المرحلة؛ فالوقائع الميدانية لا تُبرر ذلك». وأضاف إنه أشبه باستعراض للقوة أمام قاعدة «لنجعل أمريكا عظيمة مجدداً»، إن صح التعبير.
هل نشر المارينز قانوني؟
ولم تتضح تحديداً الأسباب التي يستند إليها ترامب ووزارة الدفاع لنشر جنود مشاة البحرية في مدينة أمريكية، لكن البعض يعيدها إلى قانون التمرد الذي يعود إلى القرن التاسع عشر، ويسمح للرئيس بالاستعانة بأفراد عسكريين في الخدمة الفعلية لأداء مهام إنفاذ القانون داخل الولايات المتحدة.
لكن الولايات المتحدة دأبت على الحد من استخدام القوة العسكرية على الأراضي الأمريكية، وخاصة ضد مواطنيها، وقد سُنّ قانون «بوس كوميتاتوس» لعام 1878 لتقييد دور الجيش في إنفاذ القانون المحلي، في أوقات الاضطرابات. وإذا اختار ترامب تفعيل قانون التمرد، فلا يزال من غير الواضح ما هي التحديات القانونية التي قد يواجهها.
وفي أمره بتحويل الحرس الوطني في كاليفورنيا إلى نظام فيدرالي، استشهد ترامب بالعنوان العاشر من قانون الولايات المتحدة، الذي يحدد الأساس القانوني لاستخدام القوات العسكرية الأمريكية.
محاولة لتفعيل قانون التمرد
وأراد ترامب تفعيل قانون التمرد لاستخدام القوات العسكرية العاملة ضد متظاهري حركة «حياة السود مهمة» خلال ولايته الأولى. لكن وزير دفاعه آنذاك، مارك إسبر، ورئيس هيئة الأركان المشتركة، الجنرال مارك ميلي، عارضا هذه الخطوة، ما دفع ترامب إلى التراجع. وكانت تلك اللحظة بمنزلة نقطة تحول بين ترامب والبنتاغون، حيث أقال على إثرها إسبر وهاجم الجنرال ميلي، لكن هذه المرة، شجعه وزير الدفاع بيت هيجسيث.
وبعد دقائق من إصدار ترامب أمره بنشر أول ألفي جندي من الحرس الوطني لمواجهة احتجاجات متفرقة في لوس أنجلوس، هدد هيجسيث بنشر مشاة البحرية (المارينز)، ولاحقاً تم بالفعل نشر 700 من مشاة البحرية في احتجاجات لم تُلحق أضراراً تُذكر بالمباني الفيدرالية أو الشركات.
المصدر: الخليج