«إلى متى؟» طَرْح هذا السؤال بتلك الصيغة هو أفضل طريقة للاحتجاج على فكرة غياب موضوع خطورة طرح برامج الواقع التي تمسّ خصوصية المجتمعات، وتستفز مشاعر المتابعين، خاصة إذا كان المعروض ينافي هوية المكان وسياقه الثقافي وطريقته في التعبير عن نفسه، مقارنة بالمجتمعات الأخرى، كما أن هذا الإلحاح الذي تبديه المنصات الإعلامية والترفيهية في إنتاج أو استقطاب «برامج تلفزيون الواقع» التي تلعب على وتر الإثارة، الحريات المزعومة والصور النمطية، يهدف إلى تحقيق أغراض جذب الاشتراكات ورفع مستوى المشاهدات، خاصة بين فئات الشباب واليافعين، واستقطاب المزيد من المعلنين على حساب الاستقرار النفسي والأمان الثقافي للمتلقي، فما هي مخاطر السكوت عن هذا النقاش المشروع؟
لقد كان السائد أن برامج الواقع تستقطب الفئات المهمشة في المجتمعات، وتمنح من لا يملك صوتاً للتعبير حضوراً ومنطقاً قد يقتنع به كثر، لكن الحقيقة أن فئات الشباب واليافعين ليست مهمشة، بل فاعلة بشكل كبير في توجهات المحتوى، ومؤثرة في الحراك الاجتماعي والفكري والاقتصادي، وما نغذي به هذه الفئة علي اعتبار أنه جزء من الواقع اليومي والمعيش، هو بذرة في نسيج المجتمع قد لا تكون صالحة بالضرورة، ما يؤثر وبشكل كبير على خيارات جيل الغد في السعي اليومي، والعلاقات الإنسانية، وحتى الانتماء للمنظومة القيمية، وهي الدرع الذي نرفعه في وجه الهزات المتسارعة في هذا العصر.
الحقيقة أن فئات الشباب واليافعين ليست مهمشة.. بل فاعلة بشكل كبير في توجهات المحتوى ومؤثرة في الحراك الاجتماعي والفكري والاقتصادي
برنامج الواقع الذي لا يحاكي الواقع في الإمارات، سبقته حملة إعلانية محلية وعالمية، مذيلة بفيديو إعلان العرض الهزيل ومؤشر لهشاشة المحتوى وما يعرضه من أفكار مسيئة بلغة أقل ما يمكن أن توصف به هو (السفاهة)، أما أكثر ما يثير السخرية فهو التنويه قبل العرض والذي يؤكد على أن الآراء المعروضة لا تمثل المجتمع الإماراتي، ورغم ذاك فإن مجرد افتتاح العرض بمشاهد (كليشيه) من الصحراء وناطحات السحاب وغيرها من أماكن الترفيه، هو تعبير صارخ عن مجتمع دبي وأحلامهم وطموحاتهم، مختصراً بهذا الشكل الرديء، أما وجود عنصر محلي ضمن مجموعة العارضات للحياة في المدينة، فهو ترسيخ للفكرة التي يتلقفها العالم بشكل مكرور كلما ذكرت دانة الدنيا.
إن السكوت عن هذا الطرح النمطي يشجع على تكراره، كما أن غياب الطرح الموازي والذي يقدم النماذج الإماراتية الحقيقية للمواطنين والمقيمين على حد سواء، هو بمثابة ضوء أخضر لاستباحة قصصنا وهوياتنا وأبطالنا وطرق تعبيرنا ونظرتنا لمدينتنا، ناهيك عن غياب دليل للعمل والهوية، لفرض الالتزام به من قبل أي شركة تود استثمار أراضي هذا الوطن لتقديم هذا النوع من الأعمال، أما إجابة سؤال متى، فهي: بالأمس.
المصدر: الرؤية