متعة تناول الطعام على ارتفاع آلاف الأمتار هي واحدة من أكثر الأمور المشوقة أثناء رحلات الطيران الطويلة، وهو ما يدفع شركات الخطوط الجوية للتنافس على تقديم وجباتها بحثا عن إرضاء المسافرين على متنها، مع كثرة الجوائز العالمية التي تستهدف أطعمة الطيران، ونكاد نكون اليوم في عصر جديد لسفرات الطعام الجوية التي تتمركز حول رغبات المسافر وتحاول البحث عن استحسانه.
وكلما طالت مدة الرحلة، زادت أهمية وجبات الطائرة التي تتحول لدى هواة السفر إلى وسيلة للتسلية وإمضاء الوقت، ومتعة تنافس القراءة أو مشاهدة الأفلام على الطائرة، وربما أول ما يتبادر إلى الأذهان عند تقييم تجربة السفر مع إحدى شركات الطيران هو مستوى الوجبات المقدمة في الجو، حيث يعتبر البعض هذا المعيار من أهم العوامل التي ترجح شركة طيران عن أخرى، الأمر الذي يؤكد أن تقديم الأطعمة الجوية لركاب الطائرة بات صناعة مهمة في حد ذاته، ووسيلة تسويقية كبرى لا يمكن التغافل عنها.
ويرى البعض أن طعام الطائرة عديم النكهة، في حين يؤكد اختصاصيون أن الجو داخل الطائرة قد يؤثر على الإدراك الحسي للمسافرين، حيث من المعتقد أن البيئة قليلة الرطوبة وذات الضغط العالي تجعل براعم التذوق تعمل بفاعلية أقل، مع الإشارة لاختلاف طعم الأطعمة باختلاف وجهات السفر في بعض الأحيان، حيث إن رحلات الشرق الأوسط وآسيا عادة ما تكون مليئة بالتوابل، بعكس الرحلات الأوروبية، وذلك انسجاما مع ذائقة المسافرين إلى تلك المناطق.
مع الإشارة إلى كون معظم شركات الطيران تعتمد على الوجبات الغذائية المعدة سلفا، لأنه من المفترض إطعام عدد كبير من المسافرين في مساحة صغيرة، ويصل عدد الوجبات التي يتم إعدادها لصالح بعض شركات الطيران إلى نحو 45 ألف وجبة طعام في مصنع مركزي خلال اليوم الواحد، بحسب أرقام حديثة تتناول هذه الصناعة الضخمة، وعادة ما تكون أطباق وجبات الطائرة مسطحة وغير ممتلئة، تحاشيا لتبعثرها داخل الطائرة.
وعادة ما تروج شركات الطيران لنفسها على أنها تقدم وجبات مستوحاة من فنون الطهي من حول العالم، في قوائم مليئة بالأطباق الشهية المطهوة على يد كبار الطهاة، كما تحاول معظم شركات الطيران أن تضفي طابعا فاخرا لخدمات التموين الغذائي لديها، مع التركيز على السمعة الدولية التي تحظى بها، وجودة المنتجات التي يتم من خلالها تحضير أطعمة الركاب.
ومن خلال قوائم الطعام الجوية يتضح التطور الكبير الذي صارت عليه وجبات الطيران، حيث تزايدت الخيارات وسعت بعض الشركات الجوية إلى تقديم وجبات خاصة للنباتيين، ووجبات لمرضى السكري، ووجبات للأطفال، ووجبات خاصة للمسلمين تحت اسم «حلال»، بالإضافة إلى الخيارات التي تقدمها في إمكانية تناول الوجبات في الوقت الذي يناسب المسافرين خلال ساعات الرحلة.
وربما لا يعلم بعض هواة السفر أن هناك تنافسا محموما بين شركات الطيران للاستحواذ على الجوائز التي تتناول جودة الأطعمة التي تقدمها، حيث أعلنت طيران الإمارات خلال الشهر الماضي عن فوزها بجائزة أفضل وجبات في الدرجتين الأولى ورجال الأعمال التي تمنحها مجلة «سافور» الأميركية المتخصصة، وذلك للعام الثاني على التوالي. بينما تتفاخر شركة الاتحاد الإماراتية للطيران بأنها سبق أن حصدت جائزة «سكاي تراكس» لعام 2013 باعتبارها أفضل شركة تقدم وجبات لركاب الدرجة الأولى.
يضاف إلى ذلك التنافس على الاستعانة بطهاة ذوي شهرة كي يضعوا قوائم متنوعة وشهية، حيث سبق أن استعانت شركة الخطوط الجوية القطرية بالطاهي الياباني الشهير نوبو ماتسوهيسا، والطاهي البريطاني توم أيكينز، والطاهي اللبناني الشهير رمزي شويري. وكذلك شركة لوفتهانزا الألمانية التي تضم الطاهي خواكيم ويسلر الملقب بـ«طاهي الطهاة»، نظرا لما يتميز به من خبرة وكفاءة عالية.
في حين تعتمد الخطوط الجوية السنغافورية على فريق مكون من 9 طهاة يحظون بشهرة عالمية لتقديم الوجبات التي تُمنح للركاب، ومن أبرزهم الطاهي الفرنسي جورج بلان والطاهي الإيطالي الشهير كارلو كراكو، الأمر الذي يعزز من قيمة استقطاب أشهر الأسماء العالمية في عالم الطهي من قبل شركات الطيران، وهو توجه آخذ في الانتشار خلال السنوات الأخيرة، ويقتصر دور هؤلاء الطهاة على تحديد نوعية الأطعمة وتقديم وصفاتها وطرق تحضيرها بما يناسب أجواء الطائرة وذائقة المسافرين.
وتتفاخر بعض شركات الطيران بكثرة وجباتها المقدمة خلال الرحلة، خاصة في مسألة تقديم وجبتين على متن رحلة مدتها أقل من 6 ساعات، بينما تركز كثير من شركات الطيران على إظهار جودة وجباتها عبر صفحات الموقع الإلكتروني الخاص بها، من ذلك الخطوط الجوية العربية السعودية التي تصف وجباتها بأنها «معدة طبقا للمعايير العالمية وتجمع بين مستوى الطبخ الرفيع وتكنولوجيا علوم الأغذية لتقديم قوائم طعام 5 نجوم أعدت تحت أشد معايير سلامة الغذاء والصحة محافظة على المذاق الشهي لكل صنف».
ورغم التنوع الذي تحاول الشركات تقديمه للمسافرين خلال وجبات الطائرة، فإن معظم هذه الوجبات تشترك في كونها تحتوي على سعرات حرارية عالية، خاصة في الزبدة التي تقدم إلى جانب الخبز وأطباق الحلويات الدسمة التي تضمها معظم هذه الوجبات، الأمر الذي يجعل بعض شركات الطيران تقدم لمسافريها خدمة تناول وجبات ذات سعرات حرارية أخف (حال الطلب)، أو تمكينهم من اختيار الوجبات النباتية والمطهوة بطريقة صحية، ليطمئن المسافر إلى تناغم وجبته مع النمط الصحي الذي يتبعه.
الدمام: إيمان الخطاف – الشرق الأوسط