كاتب إماراتي
في ذلك اليوم المشؤوم في نهاية الثمانينات طردني أبي من المنزل للمرة الأولى في حياتي (اعتدت على ذلك في ما بعد)، لم يكن السبب إلا أنني قمت بإزالة صورة جدي الكبير الخالية من الألوان ببشته وعقاله السداسي من الصالة ووضعت بدلاً منها صورة للأسطورة دييغو مارادونا وهو يقبل كأس العالم وهذه الأخيرة كانت ملونة بالطبع، وعلى إحدى زواياها شعار لشركة جبنة شهيرة.
بالطبع الأمر لم يكن له علاقة بأن شيبتنا كان «ألعب» من مارادونا، ولكن كاريزما هذه الشخصية التي كانت ولازالت وستبقى مثيرة للجدل، كانت طاغية جداً، خصوصاً مع قصصها المملوءة بالإثارة والتي ترفض أن تنتهي! وكان الأمر مزعجاً للكثيرين.. ولايزال.
مارادونا لم يكن قدوة جيدة إطلاقاً ولكنه كان رمزاً لكسر المألوف أيضاً، فمن مشاغباته في الملعب وإفساده نهائي كأس ملك إسبانيا، إلى سلوكه الغريب مروراً بحادثة إدمانه على المخدرات واستخدامه المنشطات، والمحبة من طرف واحد بينه وبين الإعلام، إذ إنه أطلق عليهم النار حين كانوا يتابعونه، إلى علاقاته الغريبة بالشيوعيين والماركسيين ووشم فيدل كاسترو الذي أصبح جزءاً من جسده. مارادونا رمز للثوريين بنكهة فوضوية، وإن اختار حقل الرياضة لا حقل السياسة!
لست هنا لأناقش الموضوع من ناحية رياضية، فالصفحات الرياضية أولى به مني ولكن لاشك في أن العام الذي قضاه مارادونا هنا في الإمارات كان سعيداً للجيل الذي عاصره سواء كرهه أو أحبه، فهو علامة من علامات تلك الأيام الجميلة، كما أنه يعلمنا أحد أهم الدروس في هذا العالم الحقيقي. قد يكون الإنسان سيئ السلوك والاتجاه والتصرف، لكن حتماً هناك نقطة إبداع مضيئة في حياة وسيرة كل شخص، فخذها وتعلم منها واستمتع بها واترك الباقي.. أو «عقه بحر»!
وبعدين يلومون هاك الريّال ليش نطح!
المصدر: الإمارات اليوم