ضابط في شرطة دبي برتبة مقدم ، حاصل على درجة الدكتوراة من جامعة سالفورد بالمملكة المتحدة في إدارة التغيير وعلى درجة الماجستير في الإدارة العامة (MPA) من جامعة ولاية أوريجون بالولايات المتحدة الأمريكية، مهتم في مجال الجودة والتميز المؤسسي ، يعمل حالياً مديراً لمركز أبحاث التميز بالإدارة العامة للجودة الشاملة بشرطة دبي
«بابا أنت مشغول اليوم؟».. سؤال فاجأتني به ابنتي مريم (10 سنوات)، أجبتها: تقريباً لا. فقالت: ممكن نذهب لـ«المول» لشراء هدية لصديقتي بمناسبة يوم ميلادها؟ قلت: على الرحب والسَّعَة، لكن بعد العصر. وهكذا انطلقنا للمول الأقرب للمنزل، ولأن مريم حددت المحل والجهة التي ستشتري منها الهدية، فبمجرد الوصول توجهت مباشرة إلى الهدف، وبدأت رحلة المعاينة والاختيار، وبينما هي كذلك، رنَّ جرس هاتفي، إنها ابنتي «هيا»، قالت لي: ممكن أكلم أختي «مريم»؟ أخذت مريم الهاتف وذهبت بعيداً وتكلمت لدقائق عدّة، ثم أنهت المكالمة، سألتها ماذا تريد؟ قالت: تريدُ أن أشتري لها هدية لصديقتها!
بعد 20 دقيقة تقريباً انتهينا وذهبنا لـ«الكاشير»، فقلت لمريم: منْ سيدفع؟ أشارت إليَّ، وقالت: أنتَ طبعاً! قلت وأنا أحضنها: «يعني ورطتيني مريوم! وليش ما تدفعين من راتبك الشهري؟». قالت: ما يكفي! وهنا قطعتْ حوارَنا الموظفة الفلبينية التي كانت تراقب الموقف، فقالت: شعرت بالغيرة وأنا أراك تحضن ابنتك هكذا! سألتها: لماذا؟ فقالت: أنا أيضاً لي أب، بل إنني ابنته الوحيدة، وأفتقده كثيراً، لكن أنا هنا وهو بعيد عني هناك في بلدي الفلبين!
عدْنا أدراجَنا، لكنّ هذا الموقف لم يفارق مخيلتي وقلبي، فما أكثر المواقف الإنسانية التي نراها كل يوم، لكنها تظلّ حبيسة الصدور، القليل منها يخرج كحوارنا القصير هذا، «فهذه بنت اشتاقت لأبيها، وتلكَ أم تخدم في بيت تاركةً ضناها منذ سنتين، وذاك زوج يكتوي بنيران الغربة ويتمنى القرب من زوجته وأولاده». قد ترى أحدهم مبتسماً سعيداً لكنه ربّما يحمل على كتفيه أعباء الحياة.
في القمة الحكومية الأخيرة أمتعنا سمو نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الداخلية الشيخ سيف بن زايد، بمحاضرة عن صفات «القائد الاستثنائي»، فذكر صفة لم أسمعها من قبل، وزاد استغرابي أنها جاءت على لسان قائد عسكري، حين قال: من صفاته أن يملك «قلب أب»!
فلا خير في قائد يتصف بكل صفات القادة وينسى «الرحمة».
المصدر: الإمارات اليوم