كاتبة سعودية مقيمة في دبي
انفتح حوار عظيم بين السعوديين بعد شيوع قرار صدر عن الشؤون الاجتماعية يغرّم الزوج الذي يضرب زوجته 50 ألف ريال، أي ما يعادل 10 آلاف دولار، وذكرني بذلك الحوار الذي شاع في مصر حينما أقرّ نظام «الخلع»، فراح بعض المصريين يغنون: «خلعوني خلعوني». وحتى الذي لن تفكر زوجته بخلعه سيتباكى على الدم المسفوح بعد القرار.
معظم الذين شاركوا في الحوار حول «الغرامة» لم يرفع أحدهم يده على امرأة، لكن القرار أزعجه، فهو يحرك حقوقاً مدفونة في باطن لاوعيه، تحفظ له هذا الحق في ما لو فكر يوماً أن يستخدمه، لهذا شعر أن العصا – وإن لم يكن بحاجتها – سحبت من يده. الباطن أو «اللاوعي» حرّك الاعتراضات في «هاشتاق» اشتهر في «تويتر» باسم «ضرب الزوجة بـ50 ألفاً»، أطلق الرجال عبره النكات، واستخدمه بعض الضعفاء من باب الانتقام لكرامتهم المسلوبة. أما الذين ظنوا أن لديهم من الحيل ما يمكّنهم من أن يستعيدوا الغرامة من الزوجة في اليوم الثاني، فأصيبوا بخيبة أمل كبيرة بعد أن عرفوا أن الغرامة ستذهب للحكومة وليس للزوجة المضروبة، أي أنها أصبحت حقاً عاماً لا خاصاً، مثلها مثل غرامة قطع الإشارة، لهذا اقترح بعض الشباب أن يلجأ أصحاب النفوس الضاربة ممن تحدّثه نفسه بضرب زوجته أكثر من مرة، أن يقتلها فذلك أوفر له، ففي الشرع المرأة تحصل على نصف دية الرجل، أي 120 ألف ريال. لهذا فقتلها أرخص من كلفة ضربها ثلاث مرات.
فيما نبّه الحكماء منهم إلى أن الـ50 ألفاً «الغرامة» تعادل مهر زوجة جديدة، لهذا على الأزواج ضبط النفس والتروي، وبدلاً من ضرب زوجة قديمة عليهم الزواج بجديدة بالثمن نفسه، وهذا يذكرني بنكتة تقول إن زوجة كان زوجها يضربها، فتدخّل أحد الجيران قائلاً: «لماذا تضربها حرام عليك»! فتوقفت الزوجة المضروبة تنظر بعين الامتنان لهذا الشفيع، لكنها ما إن سمعته يقول: «يا أخي ألا تدري أن الضرب الذي يؤدب الزوجة هو الضرة»، حتى قالت لزوجها: «أكمل أكمل… ما عليك منه»!
بعض المعترضين وصف ضرب الزوجة بحق منحته إياه الطبيعة، والآخر اعتبره حقاً منحه إياه الشرع، وكأنهم لا يدرون أن رسول الله لم يضرب واحدة من زوجاته، بل وصف من يضربون زوجاتهم بالأشرار، لكن وزارة الشؤون الاجتماعية ما إن سمعت هذا الكلام حتى سارعت إلى نفي هذا الخبر خوفاً من تكدير «السلم الأهلي للرجال»، وهكذا بقي ضرب المرأة واقعاً، بل إنها خرجت من هذه الحادثة بالكثير من الضرب بخاصة في هذا «الهاشتاق»، وهو ضرب من نوع يكشف إلى أي حد توفّر الثقافة للرجال حقوقاً حتى ولو أنكروها، ولو استخدموها فإنه يهددهم ويرعبهم أن تتدخل الدولة لتحول بينهم وبينها.
المعترض لا يفكر إلا بحق الزوج في ضرب زوجته، لكنك لو وضعت له خيار أن من تضرب هي ابنته من زوجها، أو أمه من والده، لساءه الفعل وأنكره، وكأن كرامة الإنسان تختلف بحسب موقعه لا بوصفه إنساناً.
لكننا نقول – بعد كل هذا الجهد الجهيد الذي كشف لنا عن قريحة دمها خفيف وعقلها أخف – سامح الله وزارة الشؤون الاجتماعية التي أثبتت أنها بلا قلب، فلو أنها تركت الخبر بوصفه إشاعة تدور، فقد يرتدع بعض الناس ولو كذباً، لكنها حرصت على طمأنة الرجال حتى يتمكنوا من الاستمتاع بمباراة «برشلونة ومدريد»، ولسان حالهم يقول: «الله يعز الإسلام والمسلمين»!
المصدر: الحياة