حدد الدكتور محمد الجاسر وزير الاقتصاد والتخطيط السعودي 4 تحديات تواجهها بلاده في الوقت الحالي في سبيل زيادة الإنتاجية، تتمثل في تعدد الشرائح المكونة لسوق العمل، وتنوع القاعدة الاقتصادية، واجتذاب الشركات العالمية متوسطة الحجم، ولا سيما من الدول المتقدمة، وترشيد الإعانات وبخاصة إعانات الوقود لغير المستحقين لها.
وبين الجاسر أن التحدي الأخير يكتسب أهمية متزايدة نظرا لأن تلك الإعانات أصبحت تمثل تكلفة باهظة وتحدث تشوهات هائلة في منظومة الاقتصاد، ولذلك تسعى السعودية لمعالجة المشكلة بطريقة متروية ومتزنة، مع توخي الحرص والعناية الكاملة، ومن ذلك تطوير منظومة النقل العام في المملكة.
وكان وزير الاقتصاد والتخطيط يتحدث في كلمة خلال افتتاح مؤتمر يوروموني السعودية بالرياض، بمشاركة كل من الدكتور إبراهيم العساف وزير المالية، والدكتور شويش الضويحي وزير الإسكان، والدكتور عبد اللطيف الزياني أمين عام مجلس التعاون، يوم أمس في العاصمة السعودية الرياض.
وبين الجاسر أن السياسة المالية والنقدية للمملكة تتصف بسمتين رئيسيتين، هما مقاومة التقلبات الدورية من جهة، والتحوط والحكمة من جهة أخرى، وهما سمتان تم القصد إليهما ولم يكن للمصادفة دور فيهما، مشيرا إلى أن الله أفاء على البلاد من جملة نعمه الكثيرة التي لا تعد ولا تحصى بثروة نفطية كبيرة وسيظل النفط يحتل موقعا بالغ الأهمية في المملكة على مدى المستقبل المنظور.
وأشار إلى أن المملكة بصفتها ذات الاقتصاد الأكبر في الشرق الأوسط، ولديها أكبر سوق محلية في المنطقة، يتحتم عليها حماية اقتصادها من تقلبات أسواق النفط العالمية، «ولا نريد أن نكرر الخطأ الذي وقعت فيه دول أخرى يعتمد اقتصادها على موارد طبيعية، حيث كانت حظوظها وثرواتها ومستويات مواطنيها المعيشية ترتفع وتنخفض بشكل قاس مع تقلبات أسعار النفط، ومن ثم فإننا نحتاط لذلك بأن نبني احتياطياتنا المالية حينما تكون الأسعار مواتية، أي أن ننفق أقل مما نحصل عليه من إيرادات، ونستخدم تلك الاحتياطات حينما تكون أسعار النفط غير مواتية».
ورأى الدكتور محمد الجاسر أن السياسية المقاومة للتقلبات الدورية هي عدم الإفراط في التفاؤل وقت الوفرة والرخاء، وعدم المبالغة في التشاؤم وقت الشدة لتعريض الاقتصاد والمواطنين لمعاناة يمكن تفاديها، مبينا أن هذه الفلسفة والممارسة قد آتت أكلها، وقال: «حققت لنا استقرارا جيدا حيث تمكنت المملكة من سداد دينها ليصل إلى 3.6 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي»، بينما كان في الماضي يصل إلى 100 في المائة من الناتج.
وأفاد الدكتور الجاسر بأن السمة الأخرى للسياسة النقدية هي التحوط والحكمة بوصفها أساس العمل المصرفي الناجح، وقد أثبتت أن السياسات التي اتهمت بأنها متحفظة جدا «قد جعلتنا مهيئين لمواجهة الأزمة والتعامل معها».
ونبه وزير الاقتصاد والتخطيط إلى أن التحدي الرئيسي والأكبر الذي يواجهه البلاد يكمن في كيفية رفع مستوى الإنتاجية في الاقتصاد، وكيف نضمن زيادة كفاءة توزيع الموارد الاقتصادية بين أوجه استخداماتها المختلفة، بما يكفل توجيه تلك الموارد وتوظيفها في المجالات التي تحقق فيها أقصى قدر من الإنتاجية، مشددا على أن زيادة الإنتاجية ليست خيارا أمامنا بل هي ضرورة لا مناص منها.
وأفاد بأن أسباب ذلك تكمن في النافذة الديموغرافية التي تشدها البلاد الآن؛ إذ إنه في عام 2011 كان عدد السكان في سن العمل بالمملكة من الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 15 إلى 64 يشكل 61 في المائة من مجموع السكان السعوديين ونسبتهم تزيد على مجموع نسب الفئات السكانية الأخرى، لافتا النظر إلى أنه عندما تكون الفئة المنتجة من السكان غير مثقلة بعبء مساندة شريحة أكبر من الأطفال والمسنين، فإن النمو الاقتصادي يمكن أن يتسارع.
وأفاد بأن حالة الديموغرافية لا تحدث كثيرا في تاريخ الدول، وإذا لم تتم الاستفادة من هذا الوضع فإنه يمكن أن ينقلب إلى عقبة أمام النمو، وإذا أحسن استغلاله وتوظيفه على نحو صحيح وبصورة متعقلة فإن الوضع يمكن أن يوفر للمملكة فرصة فريدة ومتميزة لتحقيق نمو سريع يمكن أن يدوم لجيل كامل.
وزاد وزير الاقتصاد والتخطيط قائلا: «إن رفع زيادة إنتاجية الاقتصاد الوطني يشكل ضرورة لازمة وليس اختيارا؛ لكون العيش الآن في قرية كونية وفي ظل اقتصاد عالمي يتسم بوتيرة عالية من العولمة، ولا يقوى على مواكبته والاستمرار فيه سوى الاقتصادات ذات القدرة التنافسية العالمية»، مشددا على أن المملكة بوصفها عضوا في مجموعة العشرين تريد أن تبقى لاعبا رئيسيا على الساحة الدولية، «ولن تسمح بأن تنكفئ على نفسها أو أن يتم تهميشها؛ إذ إن ذلك يتعارض مع مصالحها على المدى البعيد، وهو ما يتطلب منها العمل على زيادة الإنتاجية».
من جهته أكد الدكتور إبراهيم العساف وزير المالية أن ما تعيشه السعودية من استقرار مالي واقتصادي ونقدي يعود إلى سياسات أسهمت في تحقيق أداء اقتصادي جيد خلال الأعوام الماضية، ومكن الاقتصاد الوطني خلال العام الماضي من تحقيق معدل نمو حقيقي يقارب 7 في المائة مدعوما بالأداء الفاعل للقطاع الخاص.
وقال أمس إن ما تتمتع به المملكة من استقرار سياسي وأمني واقتصادي ومالي رغم ما تعرضت له عدة دول من أزمات مالية واقتصادية وسياسية، جاء بفضل الله ثم بفضل جهود خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود الذي يقود مسيرة الإصلاح في جميع المجالات ويتلمس احتياجات المواطن والوطن.
وأضاف أن وكالة فيتش للتصنيف الائتماني رفعت مؤخرا التصنيف السيادي للمملكة إلى درجة عالية (-AA) مع نظرة مستقبلية إيجابية، مؤكدا أن بلاده ستستمر في تعزيز مسيرة التنمية الاقتصادية وتوفير بيئة استثمارية مشجعة ومحفزة للقطاع الخاص وداعمة لثقة المستثمرين في سبيل تنويع القاعدة الاقتصادية، ودفع عجلة النمو، وتوفير المزيد من فرص العمل المجزية لراغبي العمل من المواطنين.
وبين أن سياسات المملكة أسفرت عن تحقيق شراكة ناجحة بين القطاعين العام والخاص نتج عنها نمو نصيب القطاع الخاص في الناتج المحلي الإجمالي إلى 58 في المائة، مدللا على ذلك بتحقيق 3 مشاريع في المملكة لمرتبة عالية ضمن أفضل 10 مشاريع شراكة بين القطاعين العام والخاص على مستوى أوروبا ووسط آسيا والشرق الأوسط وشمال أفريقيا وفقا لتصنيف مؤسسة التمويل الدولية، وهي مشروع مطار المدينة المنورة، ومشروع تحلية المياه في مطار الملك عبد العزيز الدولي بجدة، ومشروع عقد المياه بجدة، مشيرا إلى أن هناك مشاريع أخرى حققت أو في طريقها لتحقيق نتيجة لهذه الشراكة الناجحة. وزاد وزير المالية: «السعودية تعمل على تطوير وتنظيم السوق المالية وتشجيع طرح مزيد من الأوراق المالية والأدوات الاستثمارية الجديدة، مما يعطي ميزة مهمة للمستثمرين للتحوط من المخاطر في الأسواق المالية المحلية، وأن طرح السندات والصكوك في السوق المحلية يعد خطوة إيجابية، ونحن متفائلون بمستقبل سوق الصكوك والسندات بالمملكة، مما سيفتح آفاقا جيدة لمنشآت القطاع الخاص لتمويل مشاريعها وتوسعاتها في ظل وجود وفرة في السيولة بالسوق المحلية وتزايد إقبال المستثمرين».
من جانبه قال الدكتور شويش بن سعود الضويحي وزير الإسكان إن قضية التمويل في قطاع الإسكان تمثل أهم جوانب القطاع الذي يتكون من أرض وتمويل وتنفيذ، مؤكدا أن استدامة تمويل القطاع تعد أمرا محوريا، سواء أكان تمويلا عاما توفره الدولة من خلال المؤسسات الحكومية المعنية كوزارة الإسكان وصندوق التنمية العقارية، أو تمويلا خاصا يوفره القطاع المصرفي.
وأوضح أن وثيقة الاستراتيجية الوطنية للإسكان قد تضمنت اقتراح زيادة الاستفادة من الدعم الحكومي السخي للأجيال الحالية والقادمة، «بتحويل التمويل الحكومي إلى رافعة تمويل من قبل القطاع الخاص»، مبينا أن «حجم الإقراض الإسكاني المصرفي حاليا بالمملكة لا يتجاوز 2 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي مقارنة بنحو 32 إلى 55 في المائة في دول مثل فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة».
وعرض وزير الإسكان السعودي الحلول المقترحة لزيادة مساهمة قطاع التمويل في الإسكان، خاصة أن الاستراتيجية الوطنية للإسكان قد أوصت باتخاذ حزمة من الإجراءات، كاتباع الأنظمة التحوطية في آليات التمويل الرئيسية، كالرهن العقاري والتوريق والسندات المغطاة وتحسين شروط الإقراض لغرض السكن، من خلال التنافسية الناتجة عن زيادة عدد الجهات المقرضة، كجمعيات الادخار والقروض ووسطاء الرهن العقاري والبنوك التجارية، والتقليل من مخاوف البنوك والمصارف من المخاطر، والاستفادة من نظام بيع الوحدات العقارية على الخارطة، والمساهمة في توفير البيانات والمؤشرات المطلوبة من خلال المركز الوطني لبحوث وبيانات الإسكان الذي دعت الاستراتيجية لتأسيسه لتوفير المعلومات المطلوبة للسوق العقارية. وأشار إلى أن صندوق التنمية العقارية قدم قروض بلغت 800 ألف قرض من دون فوائد بقيمة إجمالية بلغت 224 مليار ريال (59.7 مليار دولار)، إضافة إلى تطوير وتنويع أدوار الصندوق ليشمل بدائل تمويلية جديدة، كالقرض المعجل والإضافي وضمان القروض وتفعيل القروض الاستثمارية لصندوق التنمية العقارية.
وحول الشراكة مع القطاع الخاص قال إنها من القضايا التي توليها الوزارة اهتماما كبيرا؛ لأن زيادة مشاركة القطاع الخاص تعد من أكبر التحديات التي تواجه قطاع الإسكان، ولذا تبنت الوزارة توجها استراتيجيا تقوم الحكومة فيه بدور المنظم والضابط لقطاع الإسكان وتهيئة الوضع الملائم للقطاع الخاص لأداء دور فعال، بما يساعد في توزيع المخاطر وإيجاد بيئة عمل أكثر مرونة واستجابة لحاجة السوق، بالإضافة إلى الاستفادة مما يتميز به القطاع الخاص من خبرة فنية وكفاءة تشغيلية في إدارة الأصول والقدرة على التمويل ومعدلات التنفيذ الأسرع.
وأبان الدكتور شويش الضويحي أن وزارة الإسكان تعمل حاليا على توفير الأطر التنظيمية المناسبة لآليات وسبل الشراكة، وعلى بحث توفير حزمة من الحوافز التي تشجع القطاع الخاص على الشراكة بجميع أنواعها، سواء عقود إيجار أو إدارة أو خدمة أو مشاريع مشتركة أو عقود امتياز أو عقود بناء وتشغيل ونقل ملكية BOT.
وقال إن الحوافز التي يتم بحثها، السماح بزيادة الكثافة البنائية من خلال بحث حوافز تتعلق بنسبة المساحة المبنية والارتفاعات في مقابل تضمين المطورين وحدات ميسرة التكلفة في مشاريعهم، أو قيامهم بتطوير البنية التحتية لأراضي المشاريع، مشيرا إلى أن تصميم نموذج فعال للشراكة يستوجب تحديد الأهداف المشتركة والمتقاربة لجميع الأطراف المعنية، وفي مقدمتها المواطن المحتاج للسكن من أجل تطوير شراكة تتميز بالمرونة وتتأثر وتتفاعل مع آليات السوق والقدرات المؤسسية والمناخ التنافسي.
من جانبه قال الدكتور عبد اللطيف بن راشد الزياني الأمين العام لمجلس التعاون إن المجلس يعمل على تحقيق 5 أهداف استراتيجية، وهي حماية دول المجلس من كل التهديدات السياسية والأمنية والاقتصادية، ودعم وزيادة معدلات النمو الاقتصادي، وتحقيق مستويات عليا من التنمية البشرية، وتمكين دول المجلس من التعامل مع الأزمات والمخاطر بكل أنواعها، والتعافي منها، وتعزيز مكانة مجلس التعاون في المجتمع الدولي.
المصدر: صحيفة الشرق الأوسط