إعلامي وكاتب اقتصادي
كان للتو عائداً من اجتماع عاصف في النمسا لأعضاء «أوبك»، الاجتماع الذي حول أنظار العالم إلى تصريحات وزير النفط السعودي علي النعيمي، بعد تداول معلومات عدة عن اتفاق على عدم خفض الإنتاج.
فيما كانت وسائل الإعلام الغربية والعالمية تتناقل أخبار الصراع في سوق النفط بين مؤيد ومعارض، وما بين ادعاء أن دول الخليج تخوض حرباً خفية ضد النفط الصخري، وأيضاً لإضعاف الروبل الروسي. كان الوزير السعودي على النعيمي يخوض حرباً أخرى في مدينة ليما عاصمة بيرو، التي شهدت انعقاد قمة المناخ في دورتها الـ20، وحضرها رؤساء بعض الدول ووزراء طاقة وبيئة، إذ يمثل العرب في مفاوضات مع الدول الأوروبية، التي تسعى إلى تمرير ضريبة الكربون على الدول المنتجة للنفط.
التقيت الوزير النعيمي خلال المؤتمر في جناح السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي مع فريق عمله، كان أكثر من هادئ، يقف ويستمع إلى ورش العمل والمحاضرات التي نظمها الجناح السعودي بالتعاون مع شركة أرامكو والجامعات السعودية، يتناقش مع معاونيه. جل وقته كان منشغلاً في اجتماعاته الجانبية في مفاوضاته مع الفرق الأخرى، التقى في مكتبه في مقر المؤتمر الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، كان معظم وقته في الجناح اجتماعات مغلقة ولقاءات.
سألتُ الوزير النعيمي بعد أن أتم زيارته للجناح الخليجي، وحضر جانباً من ورشة العمل عن دور السعودية في مكافحة التلوث، إذ كان يستمع إلى الأقوال التي تتعالى في الإعلام الغربي، أن السعودية تلعب لعبة جديدة في سوق النفط. توقعت أن ينفعل ويرفض الإجابة، وقف وابتسم قليلاً، ثم قال لي: لماذا نهول الموضوع؟ الأمر لا يحتاج إلى كل هذه التأويلات، فقلت له، وقد توقف عن السير ووقف حوله طاقمه من المختصين: هناك من يزعم أنكم تحاربون النفط الصخري، الذي بدأت الولايات المتحدة الأميركية في إنتاجه، ولهذا تحاولون إغراق السوق من أجل عدم صموده؟ قال لي: لا، ليس صحيحاً هذا الكلام، نحن نعلم بشأن النفط الصخري منذ أعوام، والسعودية لديها اكتشافات عدة لمواقع النفط الصخري، إلا أننا لم نتوسع أو نتجه إليه؛ لأن كلفة إنتاجه عالية. وفي ما يخص النفط الصخري الأميركي فلم نشأ في أن نتحول إلى صراع أو منافسة. قلت له حسناً: هل لبيع النفط خارج سلة «أوبك» دور في أن تُبقي على كمية الإنتاج نفسها؟ أجاب بانفعال: في الواقع أن الكميات التي تباع خارج سلة أوبك كبيرة، وتتلاعب بأسعار النفط، ونحن في «أوبك» يهمنا أن تبقى الأسعار مستقرة ومتوازنة، سألته: كيف متوازنة وهي تتهاوى؟ أجابني وقد بدأ بخطوات نحو الأمام متجها إلى مكتبه، في مخيم مؤتمر المناخ: في الواقع لستُ قلقاً من انخفاض الأسعار، فالعام الماضي أنتج الآخرون كميات تزيد على حاجة الطلب، ولا يمكن أن نبقى هكذا نتفرج، وهناك من يعبث بالسوق.
ما تمر به سوق النفط أمر موقت، وسيزول قريباً، سألت الوزير، أجبني بصراحة: هل يقلقكم استيلاء بعض الجماعات الإرهابية لمصافي النفط، وبيعها بأسعار منافسة؟ أجاب: «هذا الأمر ليس مقلقاً إلى حد كبير»، هكذا أجاب الوزير النعيمي، وقال: ربما هناك حالات بيع في الأسواق، إنما ليست تلك الحالة التي تجعلنا نفكر في مواجهته.
الوزير السعودي ظل على مدى ثلاثة أيام أحد أنشط المسؤولين الحكوميين، الذي يحرص على الحضور المبكر والإشراف على فريق المفاوضات العربي، ومقابلة رؤساء دول وزعماء على هامش القمة، حضر إلى مكتبه الأمين العام الأمم للمتحدة بان كي مون، أغلق مكتبه 30 دقيقة، ولم يفصح أي منهما عن فحوى اللقاء. في هذه الأثناء كان العالم في الخارج يريد تطمينات: لماذا تتهاوى أسعار النفط؟ بينما هنا، ينشغل الوزير -في قضية تعد الأهم بالنسبة إلى منتجي النفط- بالحملة التي تشنها الدول الصناعية من دفع ضريبة الكربون؟ عدت وسألته عقب ترؤسه اجتماعاً تنسيقياً لمندوبي الدول العربية: هل تخوضون حرباً مع الغرب؛ من أجل عدم فرض رسوم؟ هذه المرة قال لي: لو سمحت لا تستخدم كلمة «حرب»، فنحن هنا في قمة المناخ نطرح وجهات نظر، ولنا رؤيتنا نعرضها وندعمها بفريق فني وقانوني، وقد اتفقنا في اجتماعنا على أن تتوحد مطالبنا وحواراتنا، وننطلق فريقاً واحداً في أي حوارات مستقبلية، وهذا يضمن نجاح المفاوضات وعدم تشتت النقاشات.
نشاط غير مسبوق للفريق السعودي في اجتماعات قمة بيرو، التي عُقدت في العاصمة ليما، مع فريق قانوني وفني، وتحضير لكل الجلسات، وتنسيق لورش عمل لا يقل عن 13 ورقة عمل وجلسة، نظمها الجناح السعودي الذي اشتمل على جناح لدول مجلس التعاون الخليجي.
على هامش القمة، التقى النعيمي بوزراء البيئة والطاقة في الدول العربية والإسلامية، وعلى رغم أن قمة ليما كشفت خلافات بين الدول الغنية والفقيرة، بشأن سبل تقاسم عبء الحد من تزايد الانبعاثات المسببة للاحتباس الحراري، وكيفية جمع 100 بليون دولار سنوياً بحلول عام 2020؛ لمساعدة الفقراء، فالمحادثات تهدف إلى وضع حجر أساس لاتفاق عالمي جديد؛ للحد من التغير المناخي، لتوافق عليه الأمم المتحدة خلال القمة التي ستنعقد في باريس.
من الواضح أن في كل مرة ترتفع فيها الأسعار أو تنخفض في أسواق النفط العالمية، تتجه أنظار العالم إلى السعودية، وكأنها اللاعب الوحيد الذي يحرك العالم. عالم النفط اليوم أشبه بورقة الفوز التي تلعبها في الوقت المناسب.
المصدر: الحياة
http://alhayat.com/Opinion/Jamal-Bnoon