كاتب سعودي
خمسة وثمانون عاما تمرّ على ذكرى توحيد هذا الوطن الذي لم يكن أكثر من أرض للشتات والتيه، والتكوينات المجتمعية المتحاربة، لكنه توحّد بشكل أسطوري، وكبُر ونما على مدار ثمانية عقود ونصف، وأصبح قويا وغنيا يشار إليه بالبنان في العالم.
لم يطمح الإنسان السعودي في بداية تكوين هذا الوطن إلا أن يكون آمنا في سربه، قادرا على تأمين لقمة عيشه اليومية لنفسه ولأهل بيته، غير أن الحال تبدّل مع أول نقطة نفط سوداء انبجست من أول حقل بترولي ناحية الشرق من هذا الوطن؛ ليجد الفرد والمجتمع تلك الحياة البسيطة تتغير وتتطور وتزداد مطالبها كلما تقدم بنا الزمن.
عانى أبناء هذا الوطن من الأجيال السابقة شظف العيش وقسوة الحياة كانوا حينها يجوبون أطراف الدول الأخرى بحثا عن مصدر للرزق، متشبثين بالحياة رغم ما لاقوه من قساوة وظلم ونظرة دونية، وربما الموت فقرا وجوعا ومرضا، إلا أن أبناء وأحفاد هذه الأجيال استفاقوا على كونهم مغبوطين على ما وهبه الله للطبيعة في بلادهم، على الرغم من أن الشعب السعودي وحكومته قد جعلوا أنفسهم خط دفاع حقيقي عن كل القضايا العربية والإسلامية والإنسانية في العالم، وبذلوا كل ما بوسعهم في السلم والحرب ليكون العالم آمنا، منذ توحيد المملكة العربية السعودية حتى اليوم.
وفي الثالث والعشرين من شهر سبتمبر، الذي تحتفل فيه المملكة بعيدها الوطني الخامس والثمانين الذي يحمل ذكرى قيام وحدتنا الوطنية فإن البهجة تكون مضاعفة حين نجد الأشقاء العرب والمسلمين والأصدقاء في العالم يشاركوننا هذه الفرحة لكي تكون المملكة قبلة للجميع، يعيش مواطنوها أهمية استعادة ذكرى الوطن الذي ضم ترابه آباءنا ويضمنا اليوم وسوف يضم أبناءنا وأحفادنا غدا، وهنا تكون ميزة أن نتشارك في الوطن بمناسبة خالدة معبرين فيها عن انتمائهم الوطني والإنساني.
إن الشعوب هي الرصيد الوحيد للأوطان، وبالتالي فإنه كلما كبرت الأوطان وترسخت ازدادت حاجات المواطنين، وهذا يحض على ضرورة تحسين حياة المواطنين من خلال الإصلاح الشامل والشراكة الوطنية في التنمية على عدة صعد، يتقدمها “التعليم” و”الصحة” وسائر الخدمات العامة، وتبقى أهمية محاربة التطرف والفساد المالي والإداري، إذ إن ضرورة ذلك تقتضي عملاً من أجل المستقبل، الأمر الذي يفترض أن يزيد فرص الوحدة والشراكة الوطنية، ولا سيما حين يقف والمواطن في جبهة واحدة مع وطنه دفاعا عنه في أي قضية.
وعلى هذا الأساس كان حريا بنا أن نشارك الوطن بهجة يومه المجيد، وأن نتشاركه، فالحبر الذي يسيل اليوم حبر أخضر بلون وطن البياض، الذي ما أجمل أن نبتهج به صامدا على مدى التاريخ، فنحاول أن نعبر عن أحلامنا ومدى حبنا له في أن نراه أهم وطن في العالم، وأن نرى المواطن السعودي أهم مواطن في العالم.
وحين يرى السعوديون حجم “الخيارات” المبهجة التي حولهم فهم يقارنون ويتمنون ويحلمون، فالحياة ليست أكثر منخيارات متعددة تعين الإنسان على الحياة، وتجعله فردا فاعلا متفاعلا، وعدم وجود خيارات متاحة للإنسان في وطنه إشارة إلى أنه ربما يبحث عنها خارجه، إلا أن الوطن مكان لا يمكن استبداله مهما كانت الخيارات مغرية خارجه؛ ولذا فإن وطننا ينعم بقيادة سلمان الحزم -حفظه الله- الرجل العظيم المدرك بعمق لتاريخنا المجيد، والإنسان المحب لوطنه ومواطنيه والحريص كل الحرص على رفعتهما وكرامتهما.
ويستمر الارتقاء والازدهار والتقدم من خلال التنمية التي هي الركن الركين في حياة المواطن السعودي، لا سيما في وجود الأمل الذي نراه جميلا في محيا المحمدين -حفظهما الله- وفي حرصهما على صون وتطوير الأركان الأربعة (السياسة والأمن، والاقتصاد والتنمية) بما يرسم لنا ملامح المستقبل المشرق بروح الشباب.
وكل عام والوطن بأمن ورفاه وخير.
المصدر: صحيفة الوطن