هناك نوعان من البشر ممن نقابلهم ونصاحبهم في هذه الدنيا: نوع يرافقنا في مسيرة الحياة، لفترات طويلة، و هو بطبيعة الحال يؤثر ويغير من طبائعنا وقناعاتنا ببطء، وعلى المدى الطويل، حتى يأتي اليوم الذي لا نستطيع فيه أن نتخيل الحياة من دونه، لأنه أصبح جزءا منا، والصحيح، هو أن أفكارنا باتت تتلاقى في أكثر من محور.
أما النوع الثاني فهو ذلك الذي يمر على حياتنا لفترة قصيرة، ولكنه يقودنا الى منعطفات حادة، تؤثر فينا ما تبقى لنا من حياة، وتغييره يظهر فجأة وندركه في حينه، يتركنا مندهشين، نسائل أنفسنا، أين كنا قبل أن نقابله، وكيف سمحنا له أن يغيرنا بهذه السرعة، لنتوصل الى حقيقة مفادها أننا كنا في حاجة له لينير لنا ما ظلم من حياتنا، وأن مروره القصير بحياتنا كان له غايات أسمى من مجرد معرفته.
هكذا التقيت المغفور له بإذن الله، ثامر سعيد سلمان، عرفته شخصاً ودوداً، بشوشاً، في نظراته دفء يرحب بمن يلتقيه لأول مرة، كنت على معرفة سابقة به، ولكن علاقتي به كانت سطحية، وكنت في كل مرة ألتقيه، لا يزيد حديثي معه، عن سؤال الحال والأحوال، إلى أن اجتمعت به في مأدبة عشاء، ملبياً لدعوة صديق مشترك.
تناولنا ليلتها نقاشاً لبعض المواضيع المختلفة، ومع أنه كان أعلى كعباً وأرسخ قدماً، من أغلب الحضور، بالنسبة للمواضيع المطروحة، إلا أنه كان ينتظر الجميع إلى أن ينتهوا من إبداء آرائهم ، ويعقب وبكل هدوء وأدب، عن رأيه وما يعتقده، دون تجريح أو محاولة لإظهار نفسه بأنه العالم، وبأنه من يمتلك الحقيقة المطلقة.
أسلوبه الراقي، وآراءه المعتدلة، جعلاني أعيد النظر في أسلوب نقاشي مع الآخرين، هدوئه وثقته بنفسه، لفتا نظري إلى أنه لا يهم امتلاك المعلومة، بقدرما تهم طريقة طرحها ليتقبلها من يختلف معك.
كم هو عظيماً، أن تتحول حياتك إلى ضرب للأمثلة، على مثاليتك وأخلاقك الطيبة، وأن يتذكر الناس قيمك ومبادئك، ويحاولون اتخاذها منهاجاً.
حياتك ليست ملكاً خاصاً لك وحدك، وإن اعتقد الكثيرين منا ذلك، ما نحن سوى ضيوف وعابري سبيل في هذه الدنيا، غير أن من تكهن لهذه الحقيقة، من أمثال المغفورله بإذن الله ثامر سلمان، رأيناه يحيا حياته، بطريقة واعية، يحاول فيها قدر المستطاع، أن يعلم الآخرين دروساً في كل موقف، أن ينقل النافع لهم، دون البحث عن مقابل، رأيناه يتبنى الاعتدال، ومكارم الأخلاق، لعلمه إنما الأمم الأخلاق ما بقيت.
كم سيفتقدك أهلك وأحبابك، وكل الذين أثرت فيهم دون أن تدري يا ثامر.
خاص لـ ( الهتلان بوست )
مواضيع ذات صلة: