إدمان على السفر وتحايل بالغياب قبل بدء العطل والإجازات الموسمية.. والنهاية «ما عندنا فلوس»
توقعت دراسة أجرتها إحدى الشركات العالمية المتخصصة في إعلام السفر عن زيادة الطلب العالمي على وجهات السفر كل عام، حيث اعتبرت السفر أحد الأنشطة الحياتية، وليس كحدث خاص في الحياة، كما أنَّ هناك عوامل ساعدت على ذلك، ومنها حمى المهرجانات الدولية في ظل توفر رحلات أسرع وأسهل، وهو ما شجع شركات الطيران على المنافسة وتحسين تجربة المسافرين الاقتصاديين، ومن ذلك تطور المطارات لتشمل مساحات شاسعة تضم منتجعات صحية ومعارض ومساحات خضراء، مع تنامي تجربة الإقامة في الفنادق المميزة وتعزيز فكرة السفر الأذكى المستدام، وسهولة التخطيط للسفر والبعد عن الإجراءات الروتينية، وتحقيق الوصول بالسفر إلى المناطق النائية والهروب من الحياة المعاصرة، كما أنَّ السفر الافتراضي مكَّن المسافرين من التخطيط لسفرهم براحة تامة من خلال الأجهزة المحمولة واستكشاف المناطق قبل رؤيتها.
ومع الاعتراف بأنَّ هناك عوامل جعلت العديد من أفراد مجتمعنا يرغبون في السفر ويكررونه طوال العام؛ لدرجة رؤية السعوديين في كل مكان من العالم، إلاّ أن هناك من هم على استعداد للتحايل على عطلة نهاية الأسبوع أو الإجازات الموسمية وسحب عدة أيام قبلها، ومن ثم يعودون إلى اسطوانتهم:”ما عندنا فلوس”!.
حب السفر
وقالت “فايزة كردي” إنَّ السفر أصبح من أولويات العديد من أفراد مجتمعنا ممَّن يُفضلون قضاء الإجازات خارج المملكة، مؤكدةً على أنَّ العشوائية وعدم التخطيط المادي بالدرجة الأولى يُفقد السفر هدفه الأساسي المُتمثِّل في المتعة والفائدة، موضحةً أنَّ التجارب المتكررة للسعوديين في السفر أكسبتهم خبرة وتجربة فريدة في تسيير أمورهم وفق ما يتهيأ لهم من إمكانات، وإن كان الأمر لا يخلو من كثير من التبعات التي يُشكل بعضها عبئاً على الشخص طوال العام.
وأضافت أنَّ هناك من يرزحون تحت ضغوط الزوجات والأبناء في طلب السفر بصفة مستمرة، مُشيرةً إلى أنَّها تعرف أسراً يحملون معهم كميات من الأطعمة، ويسافرون متنقلين بسياراتهم براً من أجل توفير نفقات السفر جواً، في ظل غلاء المعيشة في بعض دول الجوار مقارنة بما هو عليه الحال لدينا في المملكة.
وأشارت “بدرية إبراهيم” -مرشدة اجتماعية في إحدى المدارس الخاصة- إلى أنَّ السنوات الأخيرة شهدت انفتاحاً كبيراً من السعوديين على المجتمعات الأخرى بطريقة ملفتة، مُشيرةً إلى أنَّ البعض نقلوا صورة سلبية عن مجتمعنا بقصد أو بدون قصد، مُبيِّنةً أنَّ هناك من يصرون على حمل ثقافتنا الاجتماعية أينما اتجهوا، بل ويبالغون في صورة المجتمع المحافظ، مُستشهدةً في هذا الشأن بإصرار بعض النساء على التجوّل والتنقل في مدن غير إسلامية بلبس العباءة وتغطية الوجه أو لبس النقاب، وبالتالي يصبح مظهرها لافتاً للنظر.
وأضافت أنَّ بعض الأسر تسافر خارج المملكة في كل إجازة مهما كانت قصيرة، كما أنَّ أفرادها يحرصون على نشر صور الرحلة منذ بدئها من الطريق إلى المطار وحتى العودة إلى المملكة مرةً أخرى بكامل تفاصيلها على “الانستغرام” أو “الواتس أب”، لافتةً إلى أنَّه رغم التكلفة المادية الكبيرة أحياناً، إلاَّ أنَّه يبدو أنَّ ذلك لا يُشكل عبئاً على بعض الأسرة أو عائقاً يحول بينها وبين السفر.
إدمان السفر
وأرجعت “وفاء الحسين” –موظفة- إدمان السعوديين وولعهم بالسفر إلى حبهم للتغيير وتجربة كل ما هو جديد، ساعدهم على ذلك ارتفاع المستوى المعيشي لهم والمقدرة المالية، مُضيفةً أنَّ العديد من وسائل الإعلام لعبت دوراً مهما في هذا الجانب من خلال عرض برامج ومسلسلات ساهمت في جذب المشاهدين لخوض تجربة السياحة في الدول المصدرة لهذه الأعمال الفنية، مُشيرةً إلى أنَّ العديد من أفراد المجتمع لا يأخذون الأمور بجدية أثناء السفر كما هو الحال بالنسبة لمجتمعات أخرى.
وقالت إنَّ ذلك يتعلَّق بالتخطيط والاستعداد منذ وقت مبكر، بينما قد نُقرِّر السفر بين عشية وضحاها، وقد لا يتوفر لدينا متطلبات السفر من حجز وخلافه إلاَّ في اللحظات الأخيرة، مُشيرةً إلى أنَّ الأمور هنا تتم بطريقة عجيبة، ومع ذلك تكون الرحلة ممتعة وشيقة بالنسبة للأسرة، حيث لا يكون سقف المطالب هنا عالياً بالنسبة لرب الأسرة، وغالباً ما تظل الأمور تحت سيطرة الوالدين.
ورأت “ريم الحربي” –موظفة- أنَّ الأمهات إذا كنَّ موظفات وكذلك الحال بالنسبة للبنات، فإنَّهن يساهمن في تحمل تكاليف السفر من الناحية المادية، مُضيفةً أنَّهنَّ قد يُشكلن في هذه الحالة ضغطاً على رب الأسرة فيما يتعلَّق بتحديد اتجاه الرحلة، مُشيرةً إلى أنَّهنَّ قد يسافرن وحدهن دون رب الأسرة مع الأخوة أو مع الأقارب، وليس من الضروري أن يسافر جميع أفراد الأسرة، مُبيِّنةً أنَّ الأبناء والبنات قد ينتهزون الفرصة للسفر من أجل التسوق واقتناء آخر صيحات الموضة في أسواق الدول المجاورة.
وأكَّد “عبدالرحمن الصباغ” على أنَّ السفر أصبح يُشكل جزءً كبيراً من اهتمام العديد من أفراد مجتمعنا، وإن كنَّا حديثي عهد به كثقافة، موضحاً أنَّ مفهوم السفر لدينا ما يزال مقتصراً على التنقّل بين بعض العواصم والمدن حول العالم وقضاء الوقت في الحدائق والأماكن العامة أو في المجمعات التجارية والمقاهي، بينما السفر بمفهومه الصحيح هو اكتساب المعرفة والمعلومات ومحاكاة تجارب الآخرين واكتشاف حياة وثقافات الشعوب على امتداد مراحل التاريخ القديم والحديث.
وأضاف أنَّ ذلك يعني ألاَّ يعود المسافر إلاَّ وقد أضاف لحصيلته المعرفية معلومات ثرية حول المدن والعواصم التي تجوَّل فيها خلال رحلته، مُضيفاً :”ليس بمستغرب أن تشاهد الشباب والشابات وقد تهافتوا جماعات على المجمعات التجارية والمقاهي والمطاعم بالذات، وكأنَّ الأمر له علاقة بحالة الحرمان التي يعانيها الشباب في بلدهم من منع لدخول الأسواق والأماكن العامة، بينما حال الأسر ليس ببعيد حيث ارتياد المطاعم بكثرة وكذلك الحدائق والمتنزهات العامة التي تتسم بالتنظيم والتنسيق الراقي الذي تفتقده كثير من متنزهاتنا”.
الانفتاح والتغيير
ولفتت “فادية العبدالواحد” -أخصائي أول بقسم الخدمة الاجتماعية بمستشفى الملك خالد الجامعي بالرياض- إلى أنَّه عُرف عن السعوديين حبهم للسياحة والسفر، حتى أنَّ أغلب الدول التي تعتبر من الوجهات المفضلة للسفر خليجياً وعربياً أصبحت تتابع مواسم الإجازات الخاصة بنا، مُضيفةً أنَّه ليس من باب التندر إطلاق النكت والتعليقات حول استغلال السعوديين الفرصة في أيّ مناسبة تقتضي إقرار عطلة رسمية، حتى لو كانت أياما معدودة، موضحةً أنَّ ذلك يكشف مدى ولع السعوديين بالسفر.
وأوضحت أنَّ الأمر هنا لا يقتصر على طبقة اجتماعية بعينها من المقتدرين، وإنَّما يمتد ليشمل حتى أكثر الفئات التي تصنف اجتماعياً بالطبقة الأقل دخلاً أو دون المتوسط، لافتةً إلى أنَّ ولع السعوديين بالسفر يعود إلى حبهم لتجربة كل ما هو جديد، إلى جانب حبهم للمتعة، وكذلك الرغبة في الانفتاح على الآخرين، وهو أمر أصبح ملحوظاً بشكل ملفت في السنوات الأخيرة، خاصةً بالنسبة لفئة الشباب، مُبيِّنةً أنَّ البعض قد يرون أنَّ الأمر يتعلق بسلوكيات اجتماعية سلبية، كالرغبة في تقليد الآخرين أو إظهار المستوى والمقدرة المادية. وأضافت أنَّ ذلك ليس صحيحاً على إطلاقه، حيث انَّ التغيرات الاجتماعية والاقتصادية والانفتاح على الآخر من خلال وسائل التواصل الاجتماعي لعبت دوراً مهماً في حث أفراد المجتمع على تخطي الحواجز والقيود الاجتماعية التي شكلت مجتمعاتنا المحافظة لسنوات طويلة، إلى جانب ما شكله الإعلام الدعائي عبر القنوات التلفزيونية من خلال بث البرامج والأفلام والمسلسلات “المدبلجة” للمشاهد الخليجي والسعودي بصفة خاصة، مؤكدةً على أنَّ ذلك لعب دوراً في استقطاب السياحة للدول المنتجة لهذه البرامج.
وقالت “هند العبادي” :”لا أرى بأساً في تحمل أعباء السفر المادية في سبيل الاستمتاع وقضاء إجازة مميزة خارج المملكة”، مُضيفةً أنَّ ذلك يُخفِّف من ضغوط الحياة الاجتماعية الرتيبة، خاصة في المناسبات الاحتفالية، كالأعياد وغيرها من المناسبات، مُشيرةً إلى أنَّ هناك من جرَّب الفرق بين أجواء الاحتفالات والبرامج السياحية الفاعلة للترفيه عن السياح والخدمات السياحية المميزة في الخارج، إلى جانب وجود القوانين والإجراءات الميسرة لقضاء إجازة مميزة في المدن التي زاروها، مع ما تتسم به الأجواء هناك من طقس جميل وخدمات عامة فريدة.
عوامل التغيّر
وذكر “د. جبرين الجبرين” -أستاذ مشارك في قسم الدراسات الاجتماعية بكلية الآداب بجامعة الملك سعود- عدداً من العوامل التي يعدّها -من وجهة نظره- الأكثر تأثيراً في جعل السعوديين يتجهون للسفر ويكررونه طوال العام، ويكونون على استعداد للتحايل لجعل هذه الإجازة المقررة رسميا بيوم أو يومين في مناسبات معينة تمتد إلى أسبوع أو أكثر، مُشيراً إلى أنَّه من المفارقات الغريبة أنَّ بعض الأسر التي تلجأ للسفر تشتكي من ضعف الإمكانيات المادية، بينما يفترض أن تحتفظ بالتكاليف المادية لما هو أهم وأكثر احتياجاً.
وأكَّد على أنَّ من بين أهم الأسباب التي تدعو السعوديين للسفر، نقص الخدمات التي تبحث عنها الأسرة في السفر، وأهمها عامل الترفيه، حيث تأتي دور “السينما” والمسرح والمطاعم من أولوياتها، في ظل الشعور بعدم التضييق الذي يواجهونه عادةً في كل مكان يذهبون إليه في المملكة، إلى جانب الابتعاد عن المضايقات المبالغ فيها، مُضيفاً أنَّ من بين الأسباب أيضاً عامل الضغط الاجتماعي الذي تتعرض له الأسرة عندما يسافر أقارب لهم، فيقع الأب تحت ضغط وإلحاح من أسرته التي ترى أنَّها ملزمة بالسفر أسوة بغيرها كنوع من المباهاة وتقليد الآخرين.
ولفت إلى أنَّه رغم امتلاكنا لمقومات السياحة الجيدة في المملكة نعاني نقصاً في الخدمات السياحية المهمة، مقارنةً بدول أخرى أقل منَّا في هذا الجانب، ومن ذلك نقص خدمات المطارات والحجز والمواصلات، إلى جانب قلة التكلفة السياحية خارجياً، مقارنةً بالسياحة الداخلية، مُشيراً إلى أنَّ هناك من يفضلون السفر للخارج حتى في الإجازات القصيرة، للتخلّص من القيود التي تخلق جواً من عدم الارتياح في الداخل.
المصدر: الرياض- سلوى العمران