كاتب اماراتي
سأرحل عنكِ
سأرحل عن ذكرياتك ومذكراتك ..
سأغيب عن واقعك وأهجر أحلامك ..
أحلامك ..
كل أحلامك سأغادرها ..
سوى حلمك الأول عند شلال مياه باردة أسفل المدينة .. كان لقاؤنا.
سأبقى هناك أراودك ..
كأضغاث أحلام لن تتحقق !
ولن أتحقق !
======
على فراشك الأبيض نائمة أمامي، كل شيء هنا مظلم عدا نور شمس توشك أن تشرق يطل من نافذة الغرفة، ونور خافت لأباجورة. في يدي تقرير الطبيب، قرأته ٨ مرات، بعدد الأعوام التي قضيناها معاً، وعدد المرات التي غادرنا سوياً إلى بيروت، آخرها في آذار الماضي خلسةً دون علم أحد، وبعدها مُنعنا من بيروت، علمت وقتها أن غياب بيروت مقدمة لغياب أشياء جميلة في حياتنا، لم أظن أنك ستكونين أنت التالية بعد بيروت !
“وتسألين عن بيروتْ..
شوارعُ بيروت، ساحاتُها، مقاهيها، مطاعمُها،
مرفأها.. بواخرها.. كلُّها تصبُّ في عينيْكِ
ويوم تغمضين عينيكِ..
تختفي بيروت” *نزار
وحين تفتحين عينيكِ .. أختفي أنا.
خبر سيء، فقدت ذاكرتها لعشر سنين إلى الوراء، هذا ما قاله طبيبك الكندي قبل ساعات حين وضع في يدي تقريرك الطبي.
ولماذا عشر سنين؟ ماذا لو كانت أقل من ذلك؟ خمس أو ست، أو حتى ٨ سنين تنقص شهرا؟! الشهر الذي جمعنا فنعيد شريط حبنا، نكرر أجمل ما فيه، ونجتنب كل ما كان يعكر صفوه. أو ماذا لو التقينا قبل هذه العشر، أقلها سأبقى جزءً من ذاكرتك، ذاكرتك التي لن تعود ولن أعود فيها.
لحظات استيقاظك تقترب، وتقترب معها أسئلة ذاكرتك الجديدة بغيابي القديمة قبل وجودي؛ من أنت ؟ وماذا تفعل هنا جانب سريري ؟ وأين أنا ؟ ومرةً أخرى من أنت ؟
لن أكون قادراً على الإجابة، تُرى هل سأستطيع البقاء هنا حيث أفقد كل شيء، وأخسر كل شيء، اسمي يتردد بين ثنايا شفتيك، مملكتي التي شيدتها في قلبك، أثر جرح على يدي لن تسعفك ذاكرتك لتخبرك أنك أنت الفاعلة حين تحدثنا عن النسيان، وسألتك، هل سيأتي يوم تنسين فيه من أنا ؟ وجرحتني بسكين في يدك دون قصد.
ليتني كنت أثر جرحٍ في ذاكرتك لا يزول، أو على طرف شفتيك فأكون أقرب إلى كل ذرة هواء أو هنا أسفل عينك اليسرى فأصير تحت نظراتك، في واقعك وأقرب إلى أحلامك.
” من السهل علينا تقبل موت من نحب على تقبل فكرة فقدانه واكتشاف أن بإمكانه مواصلة الحياة بكل تفاصيلها دوننا” *أحلام مستغانمي
ستقفين أمام مرآتنا كعادتك كل يوم قبل أن تغادري المنزل لتضعي كريم الوقاية من الشمس، وأقف أنا أمام مرآة كوتها نار غيابك فصهرت كل التفاصيل وغابت في ذاكرتك.
سأرحل عنكِ دون رسالة، ولن أُبقي صورة ذكرى، ستبحثين في أوراقك ودفتر مذكراتك فلن تجديني هناك، مزقت كل الصور التي جمعتنا، عدا أول صورة جمعتنا، خلف ذاك الشلال، وضعتها في جيبي.
سأغادر هذه الغرفة التي يسكنها الموت ويغادر معي، أحمله على كتفي ويحملني في كفني، سأرحل عنك إلى اللاوجود، ترافقني الذكريات وتقرير الطبيب.
من قال بأن الحب لا يموت ؟! غادرنا فأبقى جسداً بلا روح وذاكرة دون تفاصيل وقلباً لا يملؤه سوى الدم.
—-
* خاطرة أدبية بمناسبة اليوم العالمي لمرض فقدان الذاكرة ٢١ سبتمبر- يأتي المرض في المرتبة السادسة بين الأمراض المؤدية إلى الموت، ويوجد أكثر من 35 مليون شخص حول العالم مصاب بمرض فقدان الذاكرة.
خاص لـ ( الهتلان بوست )