كاتب وأكاديمي سعودي
قبل نهاية إحدى مباريات كرة القدم ، و في تغريدة له عبر شبكة التواصل الاجتماعي تويتر ، يتمنى المذيع الرياضي الجميل مصطفى الآغا بأن تنتهي المباراة بين الفريقين نهاية طبيعية بعيداً عن الشحن الواضح في ثنايا تلك المباراة ! لا ألوم المذيع الرياضي الضليع فمثله خير من يتنبأ بمشكلة التعصب الرياضي التي تصيب الروح الرياضية في مقتل وتحجب روح المنافسة الشريفة التي هي لبُّ الرياضة وهدفها الأسمى ، في الآونة الأخيرة أصبحت تُلطَّخ الكثير من منافساتنا الرياضية بمواقف وأحداث مؤسفة جداً ، لم يسلم منها اللاعبون ولا المدربون ولا الإداريون والمحصلة هي انتقال العدوى إلى المدرجات ، لم تعد توقعات المتابع تنحصر في نتيجة المباراة بل بما يمكن أن تؤول إليه تلك المباراة من أحداث “دراماتيكية”!
و تلك الحمائم البيضاء التي يتم إطلاقها في احتفالات افتتاح البطولات الرياضية قد تستبدل فتتطاير بدلاً منها قوارير المياه المعدنية والأحذية أجلكم الله .
قبل عقدٍ من الزمان تقريباً لايزال أرشيف ذاكرتي يختزن لقطة في إحدى مواجهات كرة القدم العربية تم فيها إفلات كلب بوليسي شرس على حارس مرمى الفريق المنافس في مشهد لا يخلو من بعض الطرافة للمتابعين لكنه ليس كذلك بالتأكيد للحارس المغلوب على أمره !واليوم قد يتكرر المشهد لكن اللاعب هو من قد ينفلت أحياناً على زميله أو على حكم المباراة ! و هذا بالفعل ما حصل مؤخراً حين لاذ أحد الحكام بالفرار من المستطيل الأخضر بعد أن شعر أن ثمة ” علقة ساخنة ” تنتظره فيما لو أكمل الدقائق التسعين والسبب هو بطاقة حمراء أشهرها في وجه أحد اللاعبين ، ولو كنتُ مكان ذلك الحكم لما أشهرت البطاقة الحمراء ! لماأحضرت معي تلك البطاقة من الأساس ! صحيحٌ أن هنالك قوانين رياضية يجب أن تُطبقوروحٌ رياضية يجب أن تُحترم ، لكن في المقابل وفي ظل هذه الأجواء المشحونة كنت سأختار مبدأ السلامة ( و ياروح ما بعدك روح ) !
و قد يُخطئ البعض فيعتقدون أن التعصب آفة رياضية صرفة ، بينما هو في حقيقة الأمر سلوك إنساني مثير للاشمئزاز وظاهرة اجتماعية عالمية ، ولا أعتقد أننا يمكن أن نحصر التعصب كسلوك لدى فرد من الأفراد في مجال معين دون سواه ، المتعصب هو شخص متعصب في قرارة نفسه لكن تعصبه قد يتنحى في مواقف ويسود في مواقف أخرى ، التعصب الرياضي أو المذهبي أو العرقي أو القبلي هي في مجملها نسخ مكررة لأصل واحدٍ مذمومٌ دينياً ومستقبحٌ فطرياً لأصحاب الفطر الإنسانية السليمة .
إن إيجاد علاج فعال لظاهرة التعصب من وجهة نظري هي عملية يجب أن لا تأخذ بعداً واحداً بينما يتم تجاهل بقية الأبعاد ، ويجب ألا يحملها على عاتقه طرف دون بقية الأطراف ، التعصب سلوكٌ يجب أن يعالج بكافة صوره وأشكاله على نطاق أوسع وبرؤيةٍ أشمل ، يجب أن تتحمل مسؤولية علاجه جميع شرائح المجتمع ، بدلاً من أن يتحول الأمر إلى مجرد تقاذف كرات الاتهام في مرمى الرياضيين تارة وفي مرمى الإعلاميين تارة وفي مرمى التربويين والأسرة تارة أخرى وهكذا ، وإلى أن يتم التوصل إلى علاج شاملٍ و فعال لظاهرة التعصب ، ضعوا أيديكم على قلوبكم بعد نهاية كل مباراة فهنالك متعصبون قد يقلبون عاليها سافله في ظرف ثوانٍ ،لتبدأ بعد ذلك مباراة أخرى !
خاص لـ ( الهتلان بوست )