كاتب سعودي ويشغل حالياً منصب مدير قناة "العرب" الإخبارية
قرر أحدهم أن التراث الغنائي السعودي القديم فقد مستمعيه، لذلك ندر أن تسمع أغانيَ فوزي محسون أو عبدالله محمد في إذاعات الـ«إف إم»، أحياناً يمنُّون علينا ببعض من قديم طلال مداح ومحمد عبده .
أعتقد أن ثمة مستمعين ومتذوقين لتراثنا الغنائي، ولكن يجب أن نعيد تقديمه حتى يعرفه الجيل الجديد، حينها سيقول الأب لابنه: «سامع يا واد الأغاني اللي تطرب».
ما زلت أذكر فيديو كليب صور وأنتج بطريقة «أيام زمان» للمطرب البديع ذي الصوت الفخم جداً عبدالله محمد رحمه الله، يقود سيارته الفاخرة آخر الليل وهو يغني رائعته الكلاسيكية «يا ساري الليل» بصوت مفعم بحزن العاشق المحروم، تتهادي السيارة وهو يصف حاله بأنه «ساري الليل، ويهرب من جراحه، فيسري في الليل وحده يبحث عن صباح ما، ولكن الهوى الغدار أثقل عليه بالجراح فيصرخ بآه لا يسمعها أحد».
فيديو كليب درامي خطير، بعرف ذلك الزمن الجميل، ولكن يمكن أن يصور من جديد ليخاطب جيل اليوم، يقدم لهم صورة من حياة الآباء والأجداد في الستينات والسبعينات الميلادية، عندما كانت البيوت العائلية الكبيرة تقام فيها الأفراح، تصور الشاب عبدالله محمد، جالساً في سرادق أقيم في ساحة رحيبة وسط الحارة، حوله شباب يحتفلون بسعادة، يرقصون المزمار، مطرب على منصة يغني، الكبار يدخنون الشيش العدني العملاقة، بعضهم متحلق حول جلسة بلوت، نسمع ضحكاً ومزاحاً، عريس يتهادى يتلقى التهاني، تنتقل الكاميرا عالياً إلى مبنى بمشربيات خشبية كبيرة وقد تدلت منه عقود من المصابيح الكهربائية، صوت «غطرفة» نسائية عالية تتسرب من هناك .
لكن بطلنا لا يشاركهم الفرح، يكاد لا يرى أحداً من حوله، يهز رأسه لمن يحييه أو يحدثه، مجاملة من دون أي مشاعر، إنه بعيد، يتأوّه بصمت من يكتنف أضلعه ألم، فهذا الفرح ليس فرحه، إنه عرس حبيبته التي لم تكن من نصيبه، لسبب ما لا يظهر في الفيديو كليب، ربما نعرفه لو تشجع أحدهم وحول القصّة إلى مسلسل .
يقف الشاب ويغادر المكان، الصورة تظهره وكأنه جسم ينفصل عن كتلة، ينظر إليه شاب آخر، من الواضح أنه يعرف قصته وألمه، يمضي بطلنا إلى سيارة كاديلاك خضراء موديل 60، يركز المخرج على جناحيها الحادين وهي تساق بعيداً عن الفرح والزغاريد، والبهجة، والعقود الكهربائية الملونة، إلى هدوء الليل، حيث ظلال النخيل تبدو من نافذة السيارة العابرة، بينما يصدح عبدالله محمد ويغني بألم :
يا ساري الليل وهارب من جراحك
بتسري الليل تبحث عن صباحك
والهوى الغدار كثر في جراحك
تقول الآه من يسمع صياحك
بتسري الليل وتتحلم.. يا ساري الليل
بتسري الليل وتتندم.. يا ساري الليل
يا ساري الليل كم أسكبت دمعة
بتسري الليل ومحبوبك بهجعة
يمين الله كل الحب خدعة
وخمر الدنيا في كاسات لوعة
المشكلة أن ثمة بيتاً في القصيدة عن المحبوب الذي يغطُّ في هجعة، بينما يفترض أنها عروسه التي تحتفل بزواجها ولا نعرف أيضاً هل هي سعيدة بذلك أم لا، ربما المسلسل سيجيب عن هذا السؤال أيضاً .
المصدر: مجلة روتانا