كاتبة كويتية
طار عقل «بعض» المصريين بخطبة الشيخ العريفي، التي ألقاها في مصر في مسجد عمرو بن العاص، بعد أن تعنّى وحمل خطبته وسافر من السعودية إلى المحروسة، ليلقي الكلمتين ونص على مسامع الشعب فقط، الذي أثارته الخطبة لما حوته من تعداد لفضائل مصر وأهلها «وحكامها». فأقيمت له احتفالية مهيبة، كما لو كان في زيارة رسمية، ورافقه مستشار شيخ الأزهر، وكلّفت القنوات التلفزيونية والصحف بتغطية الخطبة العصماء بشكل موسع، حتى كادت الجماهير ـــ وفق ما وصلنا من وصف ـــ أن تحمله وسيارته من أمام الجامع بعد الخطبة.
ولم يقتصر «طيران العقل» على العامة فقط، بل تجاوزها إلى وزارة التعليم المصرية التي طالبت بتعميم الخطبة على مدارس مصر، حتى يتعلم طلبتها جميل القول، وحلو الخطاب، وبلاغة الحديث، إذ لم تخل الخطبة من ثناء وتمجيد بمكانة مصر بين العرب والمسلمين. ولم ينسَ العريفي ذكر محاسن أقباط مصر، والإشادة بهم، وقال: «انهم أهل كتاب وذمة» وذكّر بقول الرسول الكريم «إذا فتحتم مصر فاستوصوا بالقبط خيرا، فإن لهم ذمة وصهرا»، وأوضح انه مسرور بهذا التآلف بين أهل مصر مسلمين واقباطا. بيد ان الشيخ نسي أن هؤلاء هم نفسهم الذين قال عنهم في سؤال عن حكم تهنئة المسيحيين في أعيادهم: «يجوز تهنئة (الكافر) بمناسباته السعيدة، ترقية، تخرج لكن مناسباته الدينية تحرم التهنئة». اذن على ذمة الشيخ، استوصوا بالأقباط خيرا، فهم أهل كتاب وذمة، لكن إياكم وأن تقولوا لهم كل عام وانتم بخير.
ما لم يكن يعرفه المصريون، وهم يشيدون بالعريفي ويهللون له، ان خطبته تلك التي حملت عنوان «فضائل مصر»، كانت منقولة (شبه حرفي) من مقالات الباحث الدكتور محمد موسى الشريف، الذي له أكثر من 60 مؤلفا، منها تلك المقتطفات التي نشرت في سلسلة مقالات في مجلة «المجتمع»، تحت عنوان «فضائل مصر ومزايا اهلها». وتضمنت الخطبة التسلسل نفسه الذي جاء في المقالات، وعبارات وأبيات شعرية نقلت تماما وبحذافيرها كما كتبت في مقالات الشريف.
لكن العريفي، وبعد تسرّب خبر خطبته، أسرع للقول انه لم يسرق، بل اقتبس، وأنه استأذن من كاتب المقال، وقد أذن له الكاتب بـ«استعارتها»، لكن حبل «الاقتباس» كما يقولون قصير، فوكالة «انحاء» التي تابعت الخبر، اتصلت بالدكتور الشريف لسؤاله عن المقالات، وعن أقوال الشيخ، فأكد أن العريفي كان قد اتصل به واستأذنه بالفعل، لكن «بعد» انتشار الخطبة وفضيحتها.
من المعلوم أن تلك ليست أول سرقة أدبية لرجل دين (ونحن هنا نتكلم عن السرقات الادبية فقط)، فقد سبقه كثيرون، أهمهم الشيخ عايض القرني الذي اتهم وحوكم بسرقة كتاب سلوى العضيدان، إلا أن الكارثة الأكبر ليست فيما فعله العريفي، بل فيمن اعتبروه مقدساً وأعلى من ان ينتقد، وأنه معصوم عن الخطأ، فراحوا يدافعون عنه ويهاجمون من انتقده، لا لسبب، إلا لأنه شيخ. وكأن المشيخة أصبحت صكاً للكمال والعصمة.
المصدر: صحيفة القبس